أجمع خبراء السياسة والإعلام أن خطاب الرئيس مبارك هو "خطاب الوداع"، أنهى خلاله سلطاته بشكل سلمى ويحفظ كرامته فى الوقت ذاته، مؤكدين أن الخطاب أعلن اللواء عمر سليمان "الرئيس الفعلى لمصر" فى المرحلة المقبلة وأقر بالتعديلات الدستورية معترفا بالثورة الشعبية وملتزما بمحاكمة المسئولين عن الفساد أو ما وقع من انتهاكات أثناء التظاهرات.
واتفق الجميع – فى برنامج واحد من الناس الذى يذاع على قناة دريم مساء الخميس - على ضرورة لملمة الشمل المصرى والتوحد لإعادة بناء البلد والاستفادة من إنجازات الثورة، مؤكدين أن استمرار المظاهرات المصرة على رحيل الرئيس لن يكون أمامه إلا خيار وحيد يتمثل فى تدخل القوات المسلحة.
فمن جانبه، أكد الكاتب الصحفى مصطفى بكرى أن الخطاب وضع الخط النهائى فى وجود الرئيس مبارك فى السلطة، داعيا إلى ضرورة عودة المجتمع المصرى إلى العمل والمضى فى طريق الإصلاح، وقال "إذا لم نستطع أن نفض انقساماتنا من واقع الخوف على البلد وانتشاله من الانهيار الاقتصادى الذى أثر عليه فى الأيام الماضية سندخل فى فوضى عارمة، لن يستطيع مصرى بعدها أن يدخل إلى بيته بأمان وانتشار كامل للجرائم فى المجتمع وشلل لمؤسساته".
وأضاف "أرى أننا يجب أن نقوم بثورة جديدة بتظاهرات فرح بتحقيق جميع المطالب التى سعى الشباب إليها منذ البداية يوم 25 يناير، وعلى السلطة أن تشارك الشباب فى إصلاح مصر فى الفترة القادمة"، وتابع "أناشد جميع المصريين أن ينظروا بعين العقل إلى الخطاب الذى حقق الهدف لأننا بذلك نساعد فى انهيار اقتصادنا والسماح للمتآمرين على البلد على الحدود لانتهاز الفرصة لأطماعهم ومصالحهم".
وأوضح أن البلد مهددة بعدم كفاية البنزين ونقص السلع والقمح الذى لن يكفى إلا 130 يوم وتوقف جميع المؤسسات التعليمية، وأن هناك من يريد الإساءة الى عمر سليمان عن طريق نشر تصريحات خاطئة قام بنفيها، وقال "يجب أن نحترم كل طرف الحوار والآراء المخالفة ونوقف الإعتصامات والحرائق التى انتشرت فى أنحاء البلاد".
واختتم "إذا ما تسلمت القوات المسلحة زمام السلطة فى البلد سيتعطل الدستور وحل المجلسين وحل الحكومة قد يلجأون إلى إعلان الأحكام العرفية ووقتها لن تحدثنى عن إعلام أو تليفزيون، وانفعل "اللى ميقولش كلمة الحق فى مصر فليخرس لأن البلد هتخرب اسمعونا لأننا مش بنقول كلمات استهلاك".
وأشار مجدى جلاد – رئيس تحرير جريدة المصرى اليوم – أن المتظاهرين يجب أن يعلموا متى يتوقفوا ويتخذوا خطوة منظمة، مؤكدا أن مصر لديها العديد من المتربصين بأمنها، وقال "لازم نحافظ على البلد التى أضاع آلاف المصريين حياتهم فى الجبهة والحروب من اجل تحرير أرضها".
وأضاف "الخطاب يؤكد أن الرئيس خرج من السلطة بالفعل ونجاح الثورة فى تحقيق أهدافها كاملة فقضى على رعب التوريث والإطاحة برموز الفساد واعترف بإرادة الشعب المصرى، لكن الثورة لن تكتمل بالجلوس فى ميدان التحرير وتعطيل الحياة، ولن يمنعنا أحد من العودة الى التحرير ولن يقدر أحد بعد ذلك على استخدام القوة معنا".
وتساءل الجلاد "لماذا لا نثق فى أننا قادرين على مراقبة تنفيذ مطالبنا ونترك الأمور على القوات المسلحة، فالمظاهرات بدأت سلمية ويجب أن تنتهى سلمية عن طريق التحاور وأن يكون لدينا وعى سياسى بمقتضيات المرحلة لأننا فعلا على شفا الانهيار، فالاقتصاد المصرى ليس قوى ونعيش على بقاياه، وحفاظا على انجازاتنا، وذلك لن يأتى بإستمرار التخوين وعدم الثقة فيما يعلنه القادة ".
وأكد قائلا "الرئيس مبارك لن يعود الى الرئاسة، والثورة التى رفعت شعار الديمقراطية يجب ان تحترم الرأى الآخر ونرتضى فى أرضية من النقاش لان كل فرد من 83 مليون مصرى له وجهة نظر خاصة".
واعتبر عادل سليمان - الخبير الاستراتيجى – أن الجيش مع الشعب ودوره فى الفترة القادمة ضامن وحارس لتأمين عملية التحول الديمقراطى بشكل سلمى وليس بشكل انقلابى على الإطلاق، وقال "الأيام الأخيرة تكشف تطور الوقفات الاحتجاجية والمسيرات الى نزول الشعب المصرى بأسره الأمر الذى أوقف عجلة الدولة، والقوات المسلحة ستتخذ كل السبل التى تحفظ كرامة مصر".
وطالب حمدين صباحى – مؤسس حزب الكرامة – فى مداخلة هاتفية - بضرورة قيام عمر سليمان بتغيير وزارى آخر أو تشكيل لجنة رئاسية من مدنيين وعسكريين تتضمن أعضاء تمثل الثورة الجديدة، لتكون أولى ضمانات البدء فى مرحلة الانتقال.
وقال "لا أحد يريد التعدى على كرامة الرئيس، والخطاب أعطى مطالبنا بشكل شيك لا تهينه وأكد رحيله بطريقة قاطعة، وعليه أن يختفى من المشهد السياسى".
وأضاف "أهداف الثورة هى خروجه من السلطة وليس لنا الحق فى المطالبة برحيله عن ارض مصر لأنه فى النهاية مصرى يعيش على أرض مصر".
من جانبه، أوضح خالد صلاح - رئيس تحرير اليوم السابع – أن التحذيرات التى تضمنها الخطاب عن القوى الخارجية لا تشكك فى المتظاهرين ليست مرتبطة بميدان التحرير، وإنما تشير إلى التحركات الخارجية والتى ظهرت على الحدود والمياه الإقليمية، وقال "يجب أن ندرك حجم الانتصارات التى حققناها، وأن نقرأ ما وراء الخطاب حاول حقق مطالب الثورة وأكد على تراجع النظام لكن بطريقة تكرم الرئيس إنسانيا، والتى لن يرضى بها الآلاف، وأرجو ألا تتدخل الأجندات الأخرى نفقد بسببها إنجازاتنا".
وأضاف "استمرار نزيف الاقتصاد سينسف هدف الثورة لتحقيق الديمقراطية والتنمية الاقتصادية ورفاهية المجتمع".
وشدد صلاح على تقديره لمشاعر الشباب ودعم المظاهرات لكنه وصف الإصرار على رفض الرئيس لشخصه يشوبه" رومانسية أكثر من اللازم " لأنه يربط بين الثورة المصرية والتونسية التى أدت إلى هروب رئيسها زين الدين بن على، ويصور رحيل النظام بسفر الرئيس مبارك الى جدة، وقال " أنا بتكلم بصفتى الوطنية التى تقتضى عدم زيادة الأمور التخريبية التى تتعرض لها البلد، لأن نظام بن على كان فاسد بدرجة جعلته لم يتحمل الإصلاح، على عكس موقف الرئيس الذى اظهر نية فى هبوط امن للسلطة والتعديلات الدستورية".
بينما رفض المستشار مرتضى منصور – عدم الثقة فى خطاب الرئيس قائلا "هدف الثورة ليست إذلال الرئيس، وإذا كانوا يريدون تنحيه عن السلطة، فالمادة 82 تنفذ ذلك بطريقة غير مباشرة، وحققت الثورة العديد من المطالب التى لم نكن نحلم فيها مثل قانون " سيد قراره "، والإشراف الدولى على الانتخابات، و وجه سؤاله الى المتظاهرين قائلا "اعترضنا على قانون الطوارئ لأنه يعطى للشرطة الحق فى تفتيش أى فرد أو احتجازه، فما يشهده ميدان التحرير نفس المشهد حيث يقوم المتظاهرون بتفتيش كل من يدخل إليه إجباريا"، واختتم كلامه قائلا "يجب أن نعمل العقل فى التعامل فى الفترة المقبلة وندرك ان اى عمارة آيلة للسقوط لا نستطيع أن نبنيها فى يوم".
وقال الكاتب الصحفى أحمد رجب إن للرئيس مبارك شخصيتين الأولى فى الرئيس الذى رحل، والثانية فى الإنسان الذى يجب ان نحترم كبرياءه، وأضاف "تمكن الشباب من الوصول الى أهداف لم نكن نحلم بها، والقوات مسلحة تضمن هذه الوعود، فماذا ينقصنا".
وطالب رجب بضرورة خروج بيان للقوات المسلحة ليطمئن الشباب على ضمانته لتنفيذ الوعود والحفاظ على امن مصر داخليا وخارجيا، وقال "خائف على مصر من الفوضى لأن المجرمين ما زالوا فى الشارع ومسلحين وممكن يندسوا فى أى تجمع ويحدث كارثة، لكنى اعتقد أن الشباب لن يتركوا مصر للخراب".
وأعلن رجل الأعمال نجيب ساويرس - عضو لجنة الحكماء – فى مداخلة هاتفية – أنه راض عن قرار الرئيس بتفويض السلطات رغم تأخره، داعيا إلى ضرورة انتهاء المظاهرات وعودة الشباب الى العمل، قائلا "لا يجب أن نصر على إهانته، لأننا شعب متحضر وعظيم، ونحافظ على الانتقال السلمى للسلطة".
وحذر الإعلامى عمرو أديب من خطورة استمرار اعتراضات المتظاهرين على كل ما يقدمه الرئيس واتجاههم الى قصر العروبة، وقال "بدأت أشم رائحة الدم، وتحولت المطالب إلى فئوية".
ووصف أديب صياغة الخطاب بالسيئ لأنه لم يعط المتظاهرين ما كانوا ينتظرونه من كلمة "الرحيل" وعبر بألفاظ لم يفهمها الشباب رغم أنها تعطى نفس المعنى، كما أدان تصريحات المسئولين من الحزب الوطنى والوزراء التى رفعت سقف الطموحات إلى تنحى الرئيس رغم أن جميع التحليلات التى كان يدركها الناس فى الفترة الماضية كانت تدور حول المادة 139 والتى تقضى بتفويض الرئيس لسلطاته إلى النائب.
وفسر مأمون فندى – الخبير السياسى – أن هناك معركة داخلية تأتى من نظام يتأخر أسبوع من حركة الشارع، ومعركة إقليمية دولية تدور حول توتر أوضاع أهم دولة فى الإقليم، مؤكدا أن الارتباك يسود مختلف دول العامل فى التعامل مع القضية، قائلا "يجب أن نكون على مستوى الحدث وإدراك أن مصر أهم من الجميع وأهم من أن نخربها وعلينا أن نختار بين القيادة والوطن".
وأضاف "أعتقد أن القوات المسلحة ستتخذ فى الساعات المقبلة قرارا لأنها لن تقبل بالمناورة فى الحفاظ على سلامة الوطن وأمنه مهما كان من ستضحى به".
من جانبه، أكد محمد دياب – فى مداخلة هاتفية عقب عودته من ميدان التحرير – أن الخطاب يؤكد قوة الشباب وقدرتهم على تحقيق مطالبهم، لكنه رفض توجه المظاهرات إلى القصر الرئاسى قائلا "لا يجب أن نقوم بالتصعيد وإهدار مزيد من الدماء، وتأخير الخطوات ورد فعل الرئيس أدى الى زيادة التعصب لدى مجموعة من الشباب التى لم تستمع حتى الى خطاب عمر سليمان".
بينما اعتبر وائل غنيم أن تأخر الخطاب بعدما حدث من عبث بالمتظاهرين وسقوط الشهداء والقتلى من وسطهم أدى الى رفع سقف المطالب، وقال "احنا نزلنا التحرير لكى نحقق حاجة للبد حتى لو على حساب حياتنا، لكن أنا مش موافق على اتخاذ قرارات متسرعة تؤدى الى مزيد من دماء المصريين، لكنى لا أملك منع المتظاهرين".
وأضاف "احنا فرضنا على المسئولين أن يسمعونا وإدراك قوتنا، وألا يستخفوا بنا، وأرى جدية فى تنفيذ الإصلاحات، وفى النهاية لسنا لعبة يضحكوا عليها فلنعطى لأنفسنا فرصة للثقة فى بعض وتقييم التطورات، والتى لن يتم العبث فيها لأن الشعب كله هينزل تانى".
موضحا أن جمعة الغد لتكريم الشهداء عن طريق الخروج بجنازة صامتة مهيبة بعد الصلاة ولنثبت لعائلاتهم أن دماءهم لم تضيع هدرا.