الثالثة والرابعة...!
بعد أن قطع رأس الزوجة الثانية من أجل أن يفوز الملك
بزوجة ثالثة هي (جيني سيمور) وصيفة الملكة مقطوعة الرأس, منح كرامر كبير أساقفته
محللا لهنري الثامن الزواج مرة أخرى في سعيه المتجدد للحصول على ولد. وفي اليوم
التالي خطب الملك جيني سيمور سرا ثم تزوجها ونودي بها ملكة في 4 يونيو
1536.
أما هي فقد كانت سليلة أسرة ملكية تتحدر من إدوارد الثالث. ولم تكن
تتمتع بجمال خاص, بيد أنها أثرت في الجميع بذكائها ورقتها وتواضعها. وهو لم ينس
أبدا - إبان حياة آن بولين - أنه كان يحاول التقرب إليها, ولكنها رفضت قبول هداياه
وأعادت رسائله دون أن تفتحها وطلبت منه ألا يحدثها إلا في حضور آخرين.
وحملت
جين, وعندما جمع الملك المجلس النيابي قرر أن يقتصر التاج على الذرية المتوقع أن
تنجبها جين سيمور, وعندما ولدت ولدا في أكتوبر 1537 سماه إدوارد السادس باعتبار ما
سيكون في المستقبل. ولكن الأمر كان حلما ولم يتحقق, إذ كان الوليد عليلاً تبدو عليه
سمات الموت. ولم تحتمل جين أن يموت ولدها فتكون ضحية طلاق جديد. كان الرعب يملؤها
وهي في حمى النفاس, فلم تنتظر الطلاق الذي كان متوقعا واستسلمت للموت بعد ولادة
ابنها باثني عشر يوما.
ظل هنري رجلا محطما بعض الوقت, وعلى الرغم من أنه
تزوج بعدها ثلاث مرات فإنه طلب عند وفاته أن يدفن بجانب المرأة التي ضحت بحياتها في
سبيل أن تنجب له الولد...!
وبعد أن مضى عليه عامان دون أن يتزوج, أمر صديقه
ووزيره كرومويل بأن يبحث له عن حلف بالمصاهرة يقوي سلطانه ضد مناوئيه من
الملوك.
ونصحه كرومويل بالزواج من (آن كليفز) أخت زوجة أمير سكسونيا وشقيقة
الدوق دي كليفز الذي كان في ذلك الوقت على خلاف مع إمبراطور إسبانيا. وأرسل هنري
المصور هوليني لرسم صورة السيدة المرشحة دون أن يدري أن الرسام قد تلقى بعض
التعليمات من كرومويل, وجاءت الصورة التي رأى هنري أنها محتملة وتستحق الحب, وإن
كانت تبدو حزينة. وعندما جاءت آن كليفز بنفسها ووقع نظره عليها مات الحب الذي تمناه
لدى أول نظرة وانقلب إلى كراهية. ومع ذلك, فقد أغمض عينيه وتزوجها وهو يتضرع مرة
أخرى أن يرزقه الله منها بابن يوطد به وراثة العرش في آل تيودور. ومع ذلك لم يصفح
قط عن كرومويل الذي رشحها له فأمر بالقبض على وزيره بعد أربعة شهور زاعمًا أنه أغرق
في الأخطاء والمفاسد. وأعلن هنري أنه لم يكن قد قدم (رضاه الباطني) عن الزواج وأنه
لم يدخل بزوجته قط. واعترفت آن بأنها لاتزال عذراء. ووافقت على بطلان الزواج مقابل
معاش يوفر لها سبيل الراحة واختارت أن تعيش وحيدة في إنجلترا. ووافق الملك على
طلبها, ولكنه في الوقت نفسه - وبعد محاكمة صورية - أمر بقطع رأس كرومويل يوم
28يوليو 1540.
قطع رأس الخامسة!
في نفس يوم إعدام كرومويل تزوج هنري
للمرة الخامسة من (كاترين هيوارد) البالغة من العمر عشرين عاما, وهي من أسرة
كاثوليكية لا تحيد عن عقيدتها قيد أنملة ولا تعترف بمذهب الملك البروتستانتي: وكانت
هي في الحقيقة أجمل زوجاته وتعلم كيف يحبها تقريبا, وحمد الله على الحياة الطيبة
معها وراوده الأمل في أن يحقق السلوى تحت إشرافها. ولكن في اليوم الذي ردد فيه
تسبيحة الشكر سلمه رئيس الأساقفة وثائق تدل على أن كاترين كان لها علاقات سابقة
للزواج مع ثلاثة خاطبين متعاقبين.
واعترف اثنان من هؤلاء كما اعترفت الملكة
نفسها. وتملك هنري حزن شديد وتلبسه الخوف من أن تكون لعنة الله قد حلت بكل زيجاته.
وكاد يميل إلى الصفح لولا أن قدم إليه دليل آخر على أنها اقترفت الزنا مع ابن عمها
بعد زواجها بالملك. وأقرت أنها استقبلت ابن عمها في جناحها الخاص في ساعة متأخرة من
الليل ولكنها أنكرت أنها ارتكبت أي ذنب وقتها, أو في أي وقت منذ زواجها. غير أن
المحكمة الملكية أعلنت أن الملكة مذنبة.
وفي يوم 13 نوفمبر 1542 قطع رأسها
تنفيذا للحكم بأمر الملك. وسقط الرأس المقطوع في البقعة نفسها التي سقط فيها رأس آن
بولين قبل ذلك بست سنوات.
السادسة أودعته القبر
أصبح هنري منذ ذلك
اليوم رجلا محطما وأعيت قرحته طب عصره, وكان الزهري الذي لم يشف منه تماما ينتشر
ويعيث فسادا في هيكله. ومع ذلك فقد أراد أن يقوم بمحاولة أخرى لكي ينجب وليّا للعهد
صحيحا معافى. فكانت الزوجة السادسة هي (كاترين بار) التي تزوجها عام 1543. كانت
كاترين قد عاشت وحيدة بعد وفاة زوجين سابقين. ومع ذلك فإن الملك لم يعد يصر على
الزواج من عذارى.
كانت كاترين امرأة على حظ من الثقافة والفطنة. فقامت
برعاية مريضها الملك في صبر, وحاولت أن تخفف من غلوائه في الاضطهاد, برغم أنه أحرق
ستة وعشرين شخصا بتهمة الهرطقة في السنوات الثماني الأخيرة من حكمه. واستطاعت
الملكة الجديدة أن تجعل من نفسها أمّا طيبة لبناته. في ذلك الوقت كان هنري يزداد
بدانة وانهيارا صحيا وظلت هي ترعاه تماما. واعترف لها هنري بأنه قتل زوجته الثانية
آن بولين ظلما, بينما هو يسلم الروح وأقسمت - بعد أن دفنت الملك - أن تعود إلى
الرجل الذي كانت تحبه قبل أن يتزوجها هنري الثامن. وفعلت ذلك بعد أسبوعين فقط من
تشييع الجثمان إلى مقره الأخير.