تدفق ال | |
|
عرض خاص
مساحه إعلانيّه
|
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر | |
|
| ما هى قصيدة النثر | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:39 pm | |
| ما هي قصيدة النثر
مقالات ودراسات
تعميقا للنقاش حول طبيعة قصيدة النثر سأخصص هذا الموضوع لادارج مجموعة من المقالات والدراسات التي تناولت مفهوم قصيدة النثر ،
قصيدة النثر بقلم باسم الأنصار
حينما كتب الشاعر الفرنسي ( برتران ) مجموعة قصائده النثرية اليتيمة ( غاسبار الليل ) ، لم يكن يعلم بأنه من الممكن أن يُكتب الشعر من دون اوزان جاهزة ، ولهذا فهو ربما لجأ الى النثر لتفريغ شحناته الشعرية المنفلتة من قيود تلك الاوزان . أي بمعنى ، أنه لم يفكر بالخروج والتمرد على قصيدة التفعيلة في شكلها المعروف في زمنه حينما كتب قصائده النثرية . أي أن وعيه الشعري لم يسعفه في أكتشاف الشعر المتحرر من الاوزان في السياق الشعري العام ، لذلك راح يبحث عنه في سياق النثر العام . وسقط ( بودلير) بالقصور ذاته ، حينما لجأ الى النثر لكتابة شحناته الشعرية الثرية التي لاتقبل التأطير في أطار الاوزان الشعرية التي كان يسير على منوالها . أي أن ( بودلير ) لم يكن يعلم بأنه كان بالامكان كتابة الشعر الموسيقي اللاموزون ضمن سياق الشعر الخالص ومن دون الحاجة الى اللجوء الى النثر ، مثلما صنع الشاعر الامريكي ( والت ويتمان ) حينما كتب تنهداته الشعرية المنفلتة من الاوزان ( اوراق العشب ) ضمن أطار الشعر وليس النثر . بحيث صار ( ويتمان ) الرائد الاول للقصيدة الحرة التي ظهرت نتيجة تمردها على قصيدة التفعيلة . ولكن هل أن عدم اكتشاف بودلير مثلا القصيدة المتحررة من الاوزان والمتمثلة ( بالقصيدة الحرة ) هو السبب الوحيد او الدافع الحقيقي الذي دفعه لكتابة قصيدة النثر ؟ وكيف سيكون الحال ، لو افترضنا مثلا أن ( بودلير ) قد توصل الى قناعة ( ويتمان ) في كتابة القصيدة الحرة ، فهل ان هذه القناعة ستغير من رغبته في كتابة قصيدة النثر ؟ الاجابة على السؤال الاول برأينا ستكون : لا . بينما أجابتنا على السؤال الثاني ستكون : نعم . وذلك لان بودلير لجأ الى قصيدة النثر ليس هربا من قيود الاوزان فقط ، وأنما لانه أكتشف أمكانية أستخراج الشعر من السياق النثري ( وهذا مانعتقد أنه السبب الدفين من قبل بودلير في كتابته لقصيدة النثر ) . أي أن الهرب من الاوزان كان الحجة الظاهرة لكتابة قصيدة النثر ، بينما الحجة او الدافع الحقيقي لكتابتها هو قدرة النثر على انجاب القصيدة . والشئ الذي يرسخ قناعتنا هذه هو أن بودلير لم يقصد في كتابته لقصيدة النثر ، التخلي عن قصيدة التفعيلة التي كان يكتبها وكتبها في مجموعته الشهيرة ( أزهار الشر ) . وهذا يعني أن قصيدة النثر لم تظهر نتيجة تمردها على قصيدة التفعيلة ، مثلما حدث مع القصيدة الحرة ، وأنما للسبب الذي ذكرناه قبل قليل . فقصيدة النثر بأختصار لاتنتمي الى السياق الشعري المألوف ، وانما هي تنتمي بالاساس الى السياق العام للنثر اولا وللسياق الشعري العام ثانيا ، بفعل أدخال الادوات الشعرية الاساسية عليها . وأيضا يمكننا القول ان قصيدة النثر ليست مزجا بين الشعر والنثر كما يعتقد البعض ، وأنما هي خارج هذه المعادلة تماما ، على أعتبار أن المزج بين الشعر والنثر يؤدي بنا الى مايسمى ( بالنص المفتوح ) . قصيدة النثر بأختصار ، هي نثر غايته الشعر . سأوضح الامر بطريقة أخرى : حينما نتحدث عن الشعر العمودي الكلاسيكي ، فاننا لانتذكر شعريته فقط ، وانما نتذكر الاوزان التي تتحكم به . لذا حينما برزت الحاجة الى قصيدة التفعيلة ، فأن هذه الحاجة أتت من خلال رغبة الشاعر بالخروج عن قوانين الاوزان التقليدية . أي أن قصيدة التفعيلة نتجت بسبب جدلها مع القصيدة العمودية . وهذا الحال ينطبق على القصيدة الحرة ، التي نتجت من حاجة الشاعر الى الخروج على أوزان قصيدة التفعيلة المعروفة . أي انها ظهرت نتيجة جدلها مع قصيدة التفعيلة . أما قصيدة النثر ، فأن بروزها الى الساحة الشعرية لم يكن نتاج جدلها مع القصيدة الحرة ولا مع قصيدة التفعيلة ولا مع القصيدة العمودية ، وانما هي نتجت بسبب رغبة الشاعر في استخراج الشعر من سياق النثر . أي ان قصيدة النثر ، تجربة شعرية متنوعة ومتحررة آتية من سياق آخر غير السياق الشعري المتعارف عليه . ولهذا السبب ، أحتفظ الشعراء الفرنسيين والاوربيين والامريكيين فيما بعد على القوانين الاساسية لقصيدة النثر في كتابتهم لها على الرغم من مرور اكثر من مئة عام على ظهورها . أي أنهم لم يتجاوزوا شروطها الاساسية لكتابتها الا وهي ( الاختزال ، التكثيف ، اللاغرضية ، وشكلها المقطعي ) . وحينما حاول البعض منهم أضافة بعض اللمسات الفنية عليها ، فأنهم لم يفكروا بتحطيم شروطها الاساسية المذكورة أعلاه ، وأنما فكروا بأجراء بعض الاضافات على الشروط الاخرى التي تتحكم بها . ولهذا ظهرت لنا اشكال وأساليب جديدة في كتابتها ودُبجت تحت تسميات مختلفة مثل ( قصيدة النثر السريالية ، قصيدة النثر المفتوحة ، قصيدة النثر الكتعيبية ) . فعدم خروج شعراء فرنسا وامريكا مثلا ( وهم روادها القدماء والحديثين ) على شروط قصيدة النثر الاساسية ليس نابعا من عدم ديناميكتهم ، وأنما نابع من أيمانهم بأن الخروج عليها معناه خلق نص شعري مغاير ومختلف عن قصيدة النثر ، وبالتالي يتحتم عليهم أطلاق تسمية أخرى على هذا النص ، غير تسمية قصيدة النثر . وأذا أنتقلنا الى التجربة العربية في كتابة قصيدة النثر فأننا نرى أن بعض الشعراء العرب البارزين ، ألتزم بالقوانين الاساسية المتحكمة بقصيدة النثر بحكم أستيعابهم لها بشكل صحيح ، ولكن الغالب الاعم من الشعراء العرب لم يلتزم بهذه القوانين ، ليس رغبة منهم بالتمرد على الشكل الاساسي لها ، او رغبة منهم بأجراء الاضافات عليها ، وأنما بسبب سوء فهمهم لشروط قصيدة النثر . فصار البعض منهم مثلا يشيع مصطلح ( قصيدة النثر المشطرة ) وهو مصطلح ( مع اعتزازنا وتقديرنا لمن أطلق هذه التسمية ) ليس تمرديا او نابعا من رغبة حقيقية لخلق خصوصية عربية في كتابة قصيدة النثر . فهذا المصطلح ظهر بعد أن كتب الكثير من الشعراء العرب قصيدة النثر بشكل خاطئ . أي أنهم كتبوا قصيدة النثر على طريقة الشطر بسبب سوء فهمهم لها وليس حبا منهم للمغايرة . ومن اطلق هذه التسمية كان يريد أن يغطي على تنظيراته الخاطئة بعد أن أكتشف خطأها ، ولكنه لم يصرح بذلك لأسباب لاعلم لنا بها . فكل من يفكر بالتمرد على حالة ما موجودة من اجل خلق المغاير والمختلف عليه أن يوضح لنا شيئين : الاول : لماذا يتمرد على الشكل السائد ؟ والثاني : ماهي الاضافة التي يريد أضافتها على الشكل السائد ؟ وكذلك هناك نقطة اخرى في غاية الاهمية مرتبطة بنفس القضية ، ألا وهي أن من يتمرد على شكل فني او شعري ما عليه أن يستوعب أولا حد التخمة هذا الشكل الفني او الشعري قبل أن يتمرد عليه . والسؤال يبرز هنا تلقائيا : هل أن الشعراء العرب هضموا وكتبوا قصيدة النثر بشكلها المتعارف عليه في اوربا وامريكا حد التخمة لكي يظهر لديهم مبرر التمرد عليها ؟ وهل أن خروجهم على قوانين قصيدة النثر الاساسية نابعة من رغبة حقيقية لخلق شكل مغاير لها أم انه تمرد ناتج من سوء الفهم لها ؟ نحن نظن بأن قصيدة النثر العربية المشطرة خاطئة لأنها خرجت أولا على واحد من أهم شروط قصيدة النثر ، ألا وهو شرط شكلها المقطعي ، وهو شرط لم ينتج أعتباطا ولم يوضع لكي يتميز بشكله عن شكل قصيدة التفعيلة في زمن نشوءها فقط ، وأنما هو شرط نابع من طبيعة شكل النصوص النثرية الذي تنتمي اليه قصيدة النثر . وكذلك هي خاطئة بسبب نسيانها دوافع التشطير في الشعر . فتشطير القصيدة ، يعني وجود ايقاع وموسيقى داخلية او خارجية مفروضة عليها من قبل النظام الذي تكتب به ( كقصيدة التفعيلة ) واحيانا من قبل الشاعر الذي يكتبها ( كالقصيدة الحرة ) . بمعنى أن حجم وشكل الشطر الشعري يتبع شروط الاسلوب الشعري الذي تُكتب به . ولهذا نقول بأن بناء الجملة في القصيدة الحرة أو شكلها العام لم يظهر أعتباطا بشكلها المشطر . فعلى الرغم من أن شكل القصيدة الحرة لايتبع الاوزان المعروفة ، الا أن هندستها بالشكل المشطر ظهر بسبب الايقاع أو الموسيقى الشعرية التي تملى على الشاعر من أعماقه في لحظة كتابته ، وهي ايقاعات مستمدة بالاساس من مزاجه النفسي والذاتي ومن المزاج العام الموضوعي المحيط به ، أي من طبيعة حركة وأيقاع الحياة المحيطة بالشاعر ، غير أن الفرق بينها وبين ايقاعات قصيدة التفعيلة ، أن الاولى تكتب من دون اطار محدد مسبقا لموسيقاها وايقاعاتها ، بينما الثانية تُكتب حسب أطر أيقاعية مسبقة وثابتة . ومن يدري ربما سيظهر لنا ( فراهيدي ) آخر في زمن ما ، ويحدد للشعراء طبيعة الايقاعات التي كتب على غرارها شعراء القصيدة الحرة . والشئ الاخر الذي يدعونا للتحفظ على قصيدة النثر العربية المشطرة ، هو تجاوزها على الشكل العام للقصيدة الحرة ولقصيدة التفعيلة أيضا . فلايجوز مثلا أن نقول عن القصيدة العمودية بأنها قصيدة تفعيلة سيّابية مثلا ، وكذلك لايجوز أن نقول عن القصيدة السيّابية أنها قصيدة حرة ، مثلما لايجوز أن نقول عن قصيدة التفعيلة أنها قصيدة نثر ، وهكذا . فلكل هذه الاشكال الشعرية شروطها وقوانينها الاساسية التي خلقتها ومن ثم خلقت تسمياتها . أن مايكتبه الشعراء العرب بشكل عام هو القصيدة الحرة وهو النمط الشائع الان تقريبا في اوربا وامريكا وربما في العالم . ولكن تسميتهم لهذا النوع الشعري خاطئ . ففي غالب الاحيان يطلقون هذا المصطلح على قصيدة التفعيلة ، وأحيانا أخرى يطلقون مصطلح قصيدة النثر على القصيدة الحرة ، الى الحد الذي أوصلنا الى عدم تناول مصطلح القصيدة الحرة في الشعر العربي المعاصر مع أن الكثير منه ينتمي الى سياقها . قد يظن البعض أن قضية التسمية والمصطلحات ليس لها أية أهمية تذكر ، بل وليس لها أية علاقة بشعرية النص الشعري . ونحن نقول أن هذا التصور خاطئ أيضا . لأننا حينما نكتب قصيدة نثر ، فأنه سيتبادر الى أذهاننا أن بناء الجملة فيها وبناءها العام هو بناء نثريا ، أي أن اللغة المستخدمة فيها في الغالب وليست دائما لكي نتوخى الدقة في الكلام ، هي لغة نثرية بالاساس اكثر مماهي لغة شعرية . بينما لغة القصيدة العمودية والتفعيلة والحرة ، هي لغة شعرية بالاساس ونثرية احيانا قليلة . ولهذا فحينما يكتب البعض قصيدة حرة بلغة غير لغتها ، أي بلغة قصيدة النثر مثلا ، فأنه يُحدث خللا لايستهان به في شعرية القصيدة الحرة ، وهنا مكمن الاساءة الى الشعر بشكل عام . حينما يكتب شاعر ما أعتقادا منه بأن قصيدة النثر هي الشكل الاخير للشعر ( وهي ليست كذلك طبعا ) ، ولأعتقاده بأنها نتاج السياق الشعري الخالص فأنه سيكتب الشعر وخصوصا القصيدة الحرة بلغة النثر أكثر مما يكتبها بلغة الشعر . أي انه سيجعل الجملة وسيلة توصله الى الصورة الشعرية ، أكثر مماهي كائن مستقل يمكن أستخراج السؤال والرؤى والتصورات الشعرية منها . الشئ الذي نود قوله أن الخلط بالتسميات للاشكال الشعرية ليس هينا وليس عابرا ، لانه يؤثر بشكل أو بآخر على شعرية القصيدة . فقصيدة النثر ليست الشكل الاخير للشعر ، وأنما برأينا أن ( القصيدة الحرة ) هي الشكل الشعري الاخير النابع من السياق الشعري العام . وحتى هذه اللحظة فأن الكثير من شعراء اوربا وامريكا والعالم يكتبون القصيدة الحرة بالدرجة الاساس على اعتبار انها الشكل او القالب الاخير في كتابة القصيدة الشعرية الذي يناسب أيقاع العصر وموسيقاه ويناسب مزاج الشاعر النفسي في الوقت ذاته . بينما تأتي كتابتهم لقصيدة النثر لانها تستوعب شحناتهم الشعرية الانفعالية المتشكلة على هيئة النثر في اعماقهم وليس على هيئة الشعر المعروفة . فكما هو معروف أن النثر سلسلة متواصلة من الجمل ، وهذه السلسلة تكون مترابطة عبر ادوات النثر المألوفة ، بينما جمل الشعر المشطرة غير مترابطة او متواصلة بطريقة النثر ، على الرغم من ترابطها وتواصلها الظاهر والباطن . وسبب اختلاف شكل الشعر عن شكل النثر برأينا هو بسبب أن الاول شعر ، وأن الثاني نثر . أي أن سبب أختلاف الشعر عن النثر ، ليس بسبب تحكم الاوزان التقليدية به ، وأنما لانه شعر قبل كل شئ . والشعر ، لايختزل بالاوزان والايقاعات ، وانما هو اكبر واوسع من هذا الجانب . ومن هذا المنطلق نقول ان الشعر يكمن في كل شئ في الوجود ، بما فيه النثر . الشئ الذي نود قوله أن قصيدة النثر بالاساس لم تظهر لكي تزيح شكلا شعريا سابقا لها ، وأنما ظهرت لكي تصبح اضافة فنية راقية للاشكال الشعرية السائدة ، كالاضافة الشعرية الجميلة التي ستنتشر بالمستقبل أكثر من قبل والمتمثلة ( بالنص المفتوح ) أو ( النص متعدد الاجناس ) كما يحلو لنا التعبير عنه . حينذاك سنجد أن الشعراء سينشغلون بهذا النوع الكتابي أيضا وسينشغلون بالتنظير للشعرية الكامنة فيه ، وهي موجودة طبعا ، ولكن ليس ليثبتوا بأنه الشكل الشعري الاخير لانها ليست كذلك برأينا ، وأنما لان النص المفتوح سيكون مؤهلا لاستيعاب الشحنات الشعرية والنثرية أكثر مماتستوعبه قصيدة النثر او القصيدة الحرة ، مثلما لايستوعب النص المفتوح الشحنات الشعرية لقصيدة النثر وللقصيدة الحرة . ومن هنا نصل الى قناعة ان ضرورة قصيدة النثر نابعة كونها تستطيع استيعاب الشحنات الشعرية الكامنة في اعماق الشاعر التي لاتستطيع استيعابها القصيدة الحرة ، مثلما لاتستطيع قصيدة النثر استيعاب الشحنات الشعرية التي تستوعبها القصيدة الحرة . فالعلاقة بين قصيدة النثر والقصيدة الحرة ، علاقة قائمة على المودة والصداقة وليس على النزاع والصراع ، لسبب بسيط جدا هو لانهما يسيران بخطين متجاورين وليس متصادمين . اذن لندعهما هكذا ولنبعد عنهما شروط الصراع لان الشعر لايصارع نفسه ليقهرها وانما ليجعلها تتوهج اكثر فاكثر كتوهج النار في المواقد القديمة .
| |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:41 pm | |
| ما هي قصيدةالنثر؟
بقلم / عبد القادر الجنابي
1- صحيح أن مصطلح قصيدة النثركان شائعا منذ القرن الثامن عشر. فوفقا لسوزان برنار أن أول من أستخدمه هو اليميرت عام 1777، ووفقا لمونيك باران في دراستها عن الايقاع في شعر سان جون بيرس، أن المصطلح هذا يعود إلى شخص اسمه غارا في مقال له حول "خرائب" فونلي، وذلك عام 1791. وفي دراسة قيمة، صدرت فيباريس عام 1936، حول "قصيدة النثر في آداب القرن الثامن عشر الفرنسية"، يتضح أن المصطلح كان متداولا في النقاشات الأدبية. على أن بودليرأحدث تغييرا في مصطلح قصيدة النثر، وأطلقها كجنس أدبي قائم بذاته، بل أول من أخرج المصطلح من دائرة النثر الشعري إلى دائرة النص: الكتلة المؤطرة. ولم يكن اعتراف بودلير بمرجعية اليزيوس برتران في هذا المجال اعتباطيا أو مجرد اعتراف بالجميل،وإنما كان تلميحا إلى "معجزة نثر شعري" كان يحلم بانجازها. ذلك أن اليزيوس برتران،هذا الشاعر الرومانتيكي، قد ترك تعليمات إلى العاملين على طبع كتابه "غاسبارالليل"، أن يتركوا فراغا بين فقرة وأخرى مشابها للفراغ المستعمل عادة في تصميم اتكتب الشعر، وبهذا يكون أول من التفت إلى تقديم نص نثري ملموم ومؤطر في شكل لم يُعرف من قبل. كما أن بودلير كان واضحا أنه يعني شيئا جديدا غير موجود، وذلك عندما كتب في رسالته الشهيرة إلى هوسييه، "من منا لم يحلمْ، في أيام الطموح، بمعجزة نثرٍ شعري". إذن من الخطأ الكبير أن نحاول العثور على أشكال لقصيدة النثر البودليرية في ماضي النثر الفرنسي. ذلك أن بودلير في مشروعه نحو لغة شعرية تستطيع ان تتقاطب وما يتجدد مدينيا في شوارع الحياة الحديثة، جعل كل الشظايا والقِطَع التي كتبت قبله، تنام كأشباح في ليل النثر الفرنسي؛ آثارا توحي ولا تُري أية إمكانية نظرية تأسيسية. 2- من الخطأ الشائع اعتبار قصيدة النثر تطورا للنثر الشعري الكلاسيكي الفرنسي وتكملةً له. ذلك أن ما كان يُطلق عليه قصيدة نثر هو أعمال روائية تتوسل محاسن البديع وتستعير إيقاعات النظم، لكي ترتقي إلى مصاف الأعمال الشعرية. بينما قصيدة النثر هي قصيدة أداتها النثر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن، أولا، السبب وراء الفكرة التي تقول أن ظهور قصيدة النثر كان تصديا لطغيان العروض، هو أن النثر،أداة قصيدة النثر، خال من كل قواعد عروضية وبالتالي يمنح حرية أكبر للشاعر لكي يعبرعن انفعالاته الباطنة. وثانيا، أن تصاعد الرومانتيكية أعطى معنى جديدا لمفردة "الغنائية" lyrique. فبعد أن كانت تُطلق على الشعر الذي يُنظم بقصدِ التغنّي به فيموضوعات أو الرواية أو السرد القصصي على أوتار القيثارة القديمة المسماة بالليرا أي القيثارة، (وهذا يعني ان عنصر الموسيقى جزء حاسم في صياغتها)... صار لها معنى جديد اعتبارا من الربع الأول من القرن التاسع عشر، هو: الوظيفة المشاعرية كالحسية المُعبَّر عنها بالصور، بالعاطفة الفردية وأحاسيس الفرد الداخلية، وباتت مصطلحا يطلق على كل عمل أدبي حتى النثر (وفقا لقاموس ليتريه) يعبر عن الوجدان والعواطف ومتحرر كليا من مضمرات الموسيقى: واقترِحُ كلمة "الوجدانية" كمقابل لـ Lyrique لكييتضح هذا التغيير الانقلابي والحداثي في الحسية الشعرية التي مهدت الطريق لظهورقصيدة النثر. 3- قصيدة النثر ولدت على الورقة أي كتابيا، وليس كالشعر على الشفاه، أي شفويا. لم ترتبط بالموسيقى كالشعر ولم يقترح كتابها أن تُغنّى، ولا يمكن أن تُقرأ ملحميا أو بصوت جهوري يحافظ على الوقفة الإيقاعية القائمة بين بيت وآخر/ سطر وآخر كما في قصائد حركة "النظم الحر" (وأقصد Vers Libre، لأن ترجمة هذا المصطلحبـ"شعر حر" يخلق سوء فهم مفاده أن الصراع بين الشعر Poésie والنثر، بينما في الحقيقة الصراع هو بين النثر والنظم). إن غياب التقطيع أو التشطير في قصيدةالنثر يشكل علامتها الأساسية. ففي النظم الحر، في نهاية كل سطر / بيتٍ فراغ يسميه كلوديل البياض.. وهذا البياض هو لحظة تنفس إيقاعي ضروري لجمالية القصيدة المشطّرة،كما يتغير فيها الإيقاع من شاعر إلى شاعر بسبب هذه الوقفة القطع في سير الإيقاع،هذا البياض يمنح القصيدة الحرة هيئتها الشعرية، بينما قصيدة النثر تكتسب هيئتها وحضورها الشعري من بنية الجملة وبناء الفقرة... والبياض غير موجود (رغم وجود الفواصل والعلامات فيها لأسباب يقتضيها بناء الجملة) إلا في نهاية الفقرة التي تجعل القارئ مستمرا في القراءة حتى النهاية. وألا ننسى أن أغلب قصائد النثر تتكون منفقرة واحدة، وبعضها من فقرتين. علينا ألا ننسى أيضا أن "الشعر" كلمة عامة وشاملة يمكن أن تطلق على أي شيء، بينما كلمة قصيدة تدل على وجود مستقل، بناء لغوي قائم بذاته... 4- قصيدة النثر لا يختلف بناؤها عن قصر المتاهة المذكور في الأساطير اليونانية. يمكن لشاعر قصيدة النثر أن يبدأ من أي مدخل يشاء: "كان ياما كان... " "عندما كنا... " "ذات ليلة، عندما.... " أو على طريقة الشاعرالصديق عباس بيضون، التي تختار الدخول على نحو مفاجئ: "الأربعة النائمون على الطاولة وسط الجبال لم يشعروا بخيال الطائر وهو يتضخم في الغرفة.." المدخل إذن سهل جدا، ما هو صعب المنال في كتابة قصيدة النثر هو الخروج/ نهاية القصيدة. لا يكفيأن تعرف كيف تبدأ فحسب وإنما عليك أن تعرف كيف تخرج من، أي تختم، القصيدة، كما يقول روبرت بلاي. 5- شاعر قصيدة النثر يَعرفُ مسبقا وذهنيا وإلى حد ما حجم الكتلة/ مساحة القَصر. ذلك أن قَصر المتاهة بناء مكون من حيطان تتعاقب وتتقاطع؛قصيدة النثر فقرة مكونة من جمل تتلاحق بحدةٍ شديدةٍ هبوطا وصعودا، مما تدفع القارئ إلى أن "يستقرئ العواطف البعيدة أو يجسّ الرِعدات الدقيقة... مستضيئا بالجملة اللاحقة ليُبصر السابقة"، كما قال بشر فارس في تلخيصه عن نوع من القصة القصيرة دون أن يدري انه كان يعرف قصيدة النثر. 6- على أن هناك عنصرا مكونا أساسيا الذي فقط من خلاله يمكننا أن نُميز قصيدة النثر عن باقي الكتل، النصوص والأشعار النثرية. إنه اللاغرضية (والبعض يترجم gratuité بالمجانية). وهو أشبه بالخيط الذي أعطته أريان إلى ثيسيوس الذي بقي يتتبعه حتى عرف طريقه الى المخرج من المتاهة. الاختصار brièveté إذن، هو نتيجة تقاطب عنصرين اساسيين يعملان داخل قصيدة النثر،كل وفق حركته؛ قاعدته: الحدّة intensité حيث السرد المتحرك المنقطع السلك بين حائط وآخر، جملة وأخرى، يشدنا بسلسة واحدة من البداية حتى النهاية دون أي تباطؤ.. واللاغرضية gratuité ، هو سلك الخيط الذي يقود من المدخل / البداية إلى المخرج /الخاتمة وعلينا أن نتتبعها، وإلا سنضيع في متاهة نثر شعري له ألف رأس وألف ذيل،بينما غايتنا كتلة "لا رأس لها ولا ذيل" كما وضح بودلير.. تكمن شعرية قصيدة النثر في هذه اللاغرضية... المجانية. فالنثر بحد ذاته غير قادر على التخلص من وظيفة الوصف بغرضية منطقية. فبفضل عنصر اللاغرضية، يتخلص السرد الذي هو سمة رئيسية في قصيدة النثر، من جفوته، ومنطقيته النثرية، فهو هنا ليس وصف مخطط روائي يريد أن يصل إلى نتيجة ما، وإنما لغرض فني جمالي محض. عندما يبدأ أنسي الحاج قصيدة له بـ"ذلك العهد يدُ ما موت لم تكن ظهرتْ..." "ذلك العهد" ليس هنا لغاية سياقية تاريخية معلومة، وإنما لخلق إيحاء جمالي لحدث غير موجود. 7- يجب ألا نخلط بين قصيدة النثر والشظية الفلسفية كما عند نيتشه، ففي هذه الشظايا/ الكتل النثرية القصيرة،ثمة قصد فلسفي وغرضية واضحة، أو متسترة وراء موعظة ما. قصيدة النثر هي النثر قصيدةً: كتلة "يتأتى قصَرُها من نظامها الداخلي، ومن كثافتها النوعية ومن حدتها المتزنة". ليس لها أية غرضية، بل خالية من أي تلميح إلى مرجع شخصي: كتلة قائمة بذاتها.. أو كما كتب الشاعر الفرنسي ادموند جالو عام 1942، "قطعة نثر موجزة على نحو كاف، منتظمة ومرصوصة مثل قطعة الكريستال يتلاعب فيها مائة انعكاس مختلف... إبداع حر لا ضرورة أخرى له سوى متعة المؤلف، خارج أي تصميم ملفق مسبقا، في بناء شيء متقلص،إيحاءاتُه بلا نهاية، على غرار الهايكو الياباني 8- تنطوي قصيدة النثر" النثر، كما تقول سوزان برنار، "في آن على قوة فوضوية، هدامة تطمح إلى نفي الأشكال الموجودة، وقوة منظِمة تهدف إلى بناء (كلٍّ) شعريٍّ؛ ومصطلح قصيدة النثرنفسه يُظهرُ هذه الثنائية". في قصيدة النثر، إذن، توتر كامن يطيح بأية إمكانية توازن بين نقيضين بقدر ما يحتضنهما. وهذا يعني أن قصيدة النثر، كما تقول بربارة جونسن في دراستها الرائدة عن ثورة بودلير الثانية، تتسم بقوتين: إذا الشعرُ هوعَرْضٌ ذو سمة بمواجهة النثر كعرض بلا سمة واضحة، فقصيدة النثر إذا، تتميز بقوتين متعارضتين: حضور ضد غياب السمة و"إحالة الى قانون الشعر" ضد "إحالة الى قانون النثر"... فقصيدة النثر لا هي نقيض ولا هي توليف، إنما هي المجال الذي اعتبارا منه تبطل وظيفة الاستقطابية وبالتالي التناظر بين الحضور والغياب، بين الشعر والنثر". ومن هنا يتفق معظم النقاد على أنهم أمام جنس أدبي شاذ غرضه تهديم الأنواع genres . ناهيك من أن شكلها الوحيد الأوحد، ينطوي أيضا على بعد تهديمي بصري وبالتالي مفهومي، يقوم بنسف الأفكار المسبقة والعادات المفهومية لدى القارئ الذي ما أن يرى أبياتا أو عبارات مقطعة حتى يصرخ أنها قصيدة، إذ في نظره ليستنثرا. 9- سيداتي سادتي: ما هي قصيدة النثر؟ إنها كل هذا وليس. لكن الشيءَ المؤكد هو انها نقيض قصيدة النثر العربية السائدة التي لا تلبي مطلبا واحدا مما أتفق جل النقاد عليه، رغم كل الاختلافات بينهم، بشأن قصيدة النثر. هناك أنماط من قصيدة النثر: البارناسية، الرمزية، التكعيبية، السوريالية، الظاهراتية، والأمريكية الغارقة بقضية اللغة والسرد الغرائبي. لكن في كل هذه الأنماط، الشكل واحد أوحد: كتلة قوامها نثر متواصل في جمل تجانس أي نثر آخر. 10- بطبيعة الحال يحق لكل شاعر أن يكتبَ كلٌ وفق نبض أحاسيسه وصوته الخاص، وليسمّ مخلوقاتَهُ كما يشاء، فقط عليه أن يَعرفَ إن مصداقية الشكل والمضمون هي عين ثقة الشاعر بما يقول. وقد يعترض شاعر على أن التسمية ليست ضرورية، ربما، لكن لماذا يسمي "قصيدة نثر" عملا اعتنى بتقطيعه موسيقيا متوسلا كل المحاسن البديعية التي ترفضها قصيدة النثر... بل حتى شدد على وقفات تُعتبر عاملَ بطءٍ إذا استخدمت في كتلة قصيدة النثر؟ أليس اعتباطا أن يسمّيَ شاعرٌ يكتب عادةً أشعارا موزونة، كلّ قصيدة لا يتمكن من ضبطها عروضيا، قصيدة نثر وليس شعرا فحسب! وكأن الشعرَ في نظره ليس سوى تفعيلات قُررت سلفا. 11 -رفض الحدود المرسومة لا يتم إلا عندما يعرف الشاعر ما هي هذه الحدود، وبماذا تتميز... حتى يكون لرفضه فضاؤه هو، مُنقى من كل شوائب التسميات التي كانت من طبيعة تلك الحدود المرفوضة. لقد وقف بروتون ضد فكرة الأجناس الأدبية، معتبرا أن الشعرتعبيرٌ عن استرداد المخيلة البشرية لحقوقها، وليس جنسا أدبيا خاضعا لقوانين مدرسية.... ومن هنا لم يسمّ كـُتـَلهُ النثرية قصائد نثرية رغم أن النقادَ يعتبرون بعضَها قصائدَ نثرٍ بامتياز!
إن الإصرار على تسمية عمل جوهرُه يتعارض، شكلا ومضمونا، مع ما يتميز به هذا الاسم، لهو في نظري، تعبيرٌ عن اعتباطية العمل نفسه. | |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:42 pm | |
| | |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| | | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:45 pm | |
| قصيدة النثر.. ومأزق الشعر والشعرية
فاطمة المحسن
لأول مرة يتواجه فريقان من الشعراء في مدينة واحدة، ولأول مرة تتخذ الخلافات الأدبية " الجمالية"، صيغة التمثيل والنيابة، بل صيغة الحرب المعلنة. في القاهرة عقد مؤتمران، مؤتمر نظمه المجلس الأعلى للثقافة، والثاني أقامه شعراء قصيدة النثر.اعتذر الكثير من المدعوين الى المؤتمر الأول،حتى الذين يقفون مع الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي منظم هذا اللقاء،وكان اعتذارهم لاسباب شتى، ولكن الخوف من أن تكون الكلمة مسرح حرب،تشطر الشعراء فريقين، وتتمثل فيها الموجات الأدبية على هيئة أبطال للخير والشر، هذا ما لم يتوقعه وما لا يستسيغه الكثيرون. المعركة لا تبدو عربيا على المستوى ذاته من الأهمية والدلالات، كما حالها في مصر، ففي مصر اليوم كل شيء يتخذ صيغة التأويل والإحالة الى السياسة وفوضى الكلام والاتهامات بالعمالة والعمالة المضادة. كأن أحمد عبد المعطي حجازي فيما كتب عن قصيدة النثر، قد أيقظ الفتنة من سباتها، بل كأنما أيقظ سؤال القصيدة الذي يقف خلف الكواليس دون ان يجرؤ على طرحه احد. جاء كتاب حجازي عن قصيدة النثر التي اطلق عليها تسمية (القصيدة الخرساء) لتنشط الأقلام في الدفاع عنها، بل وتعريفها او إعادة تعريفها، وتحديد موقعها في الشعرية العربية. ولكن كل تلك الكتابات التي حاولت اعادة لاعتبار الى قصيدة النثر لم تكن قادرة على اخفاء مأزقها ومأزق الشعر عموما ،ولعل موقف حجازي الذي قيل بأنه قدم جائزة الشعر هذا العام الى نفسه، يشير الى ان الشعر وصل الى نهاية مشواره، ولم يعد هناك من مزيد. بقيت قصيدة النثر مقبولة في حياتنا دون أسئلة مؤرقة،وهذا أخطر ما في الشعر،واستوت كالعُرف لاينشر الخلق سواها،فهي حاضرة في المواقع الالكترونية والمنابر الصحافية،و لن تجد إلا استثناءات نادرة من الشباب الذين يكتبون التفعيلة، ولم يبق لهذه القصيدة من المشاهير، إلاّ شعراء من الأجيال التي أوشكت أن تصل نهاية شوطها. ولكن قصيدة النثر، مكثت في الكثير من نماذجها في العزلة، لا تجد جمهورا يصغي اليها، ولا مسوقا لديوانها،وتبدو وكأن عصر جماهيريتها الذهبي انتهى بموت الماغوط. في حين استطاع الشعر الحر احتلال موقع متميز في الأدب العربي خلال فترة قياسية، لم تتجاوز العقد او العقدين،وغدا هو الشعر المفضل شكلا وحساسية وذائقة. وانزوى شعر القريض مدحورا حتى بات الشعراء الذين يكتبونه يصنفون دون تردد بانتسابهم الى عالم قديم. أما شعراء التفعيلة فقد داوموا على البقاء كرواد دون منازع الى يومنا، يناكد بعضهم قصيدة النثر ويؤرقون يومها في أحيان. درويش يقول كلمة مستنكرة بحقها، ويحجم عن التثنية، وسعدي يمرر مكره ونزقه دون الإمعان في التجريح، وقلة منهم يعلن ما أعلنه حجازي،لأن ذاكرة الكثير منهم ما زالت طرية،ولم تتصلب شرايينها كي تنسى مجابهات رواد الشعر الحر،وكيف خرجت قصيدتهم منتصرة، لأنها قبل كل شيء حاجة أملتها تطورات المعرفة والقراءات والحساسيات، وهكذا تملي " الحتميات" قانونها. تتعين قصيدة النثر اليوم بكتّاب قلائل يقال عن كل واحد فيهم هذا شاعر جيد، وليس بها كجنس يجري الخوض في جمالياته وتحديد اتجاهاته وطرائق كتابته وتمايزات كتابه ؟ . ولعل هذا الحال سبب مشكلة يتبادل فيها النقاد والشعراء الإتهامات، فالشعراء محبطون من جهل النقد وافتقاده الى أدوات القراءة الحديثة وفهم ما يبتكرون، والنقّاد ينعون على هذا الشعر تشتت أجياله وتحوله الى مطية لكل من هب ودب من العاطلين عن الادب. ولا شك ان قصيدة النثر انتشرت في زمن غادر فيه الشعراء الى الأجناس الأخرى من الكتابة، وما عادت تجربة الكتابة عند الكاتب تبدأ بالشعر، كما كان التقليد في السابق. وبار ديوان الشعر في الأسواق، وانصرف القراء عنه الى الرواية، وبات ناشر الشعر مثل مغامر تحركّه حمية الدفاع عن شيء نبيل ينبغي أن لا يغرب عن حياتنا. ولن تجد في مراجعات الكتب اوالبحوث والدراسات الاّ حصة ضئيلة للشعر، وناقد القصائد الجديدة مثل الحاطب في ليل، إزاء هذا الفيض من الكتابات التي تندرج في باب قصيدة النثر. في هذه المعمعة تعرّض الكثير من شعراء قصيدة النثر الى الاهمال والتجاهل، كأنما النقد قد ختم على الشعرية عموما بالصمت. إذن هي أزمة شعر وشعرية، وليست أزمة نوع شعري، ولكن هل اسهم هذا النوع، اي قصيدة النثر، في تحطيم عرش الشعر عند العرب، وذبح بقرتهم المقدسة؟ . المؤكد ان الحياة الجديدة تنتظم في ايقاع يختلف عن السابق، ولكن الشعر لن يغادرها مهما عز مناله، فقصيدة النثر، مثل الأنواع التي سبقتها أنتجت شعراء من أفضل ما انتجته الشعرية العربية على الأقل في العقود الاخيرة،على الرغم من جهل الناس بهم، او قلة تداول مطبوعهم، وهم لاينافسون سعدي ودرويش مثلا، لانهم يقفون في فضاء آخر من الإبداع الشعري . وجود قصيدة النثر في الأساس يعني فيما يعني، خذلان جماهيرية الشعر وشعبيته، تحطيم فكرة التواصل في الشعر الكلاسيكي عموما وليس الشعر العربي وحده. أبقت قصيدة التفعيلة عرى التواصل قائمة من خلال الوزن، ولكن قصيدة النثر بتخليها عنه بقيت عارية من ذاكرة كان يمرر من خلالها الجديد دائما وفي كل تقاليد القول. ان فكرة الانقطاع في قصيدة النثر إقتضت مجالا للقول وحساسية ولغة مختلفة، ولكن نماذجها السائدة في الغالب، بقيت تحوم حول قصيدة التفعيلة، ولا تملك التصميم على الإنفصال عنها. يحدد النقاد الذين ادلوا بدلوهم في تعريف قصيدة النثر، ان شرط التواصل يأتي من غنائية القصيدة وتكثيفها وجعلها مصقولة كالبلور، وتلك المصطلحات كما أراداتها سوزان برنار،واضعة دستورها عند العرب، ينضاف اليها ما جاء به رامبو ومالارميه ( السحر الايحائي) و (الابجدية السحرية، والطلسم الغامض)، وهي تعبيرات بالكاد تمسك باصولها ومنطقها معادلات النقد . أنسي الحاج يقدم شروطه : الايجاز والتوهج والمجانية . ولا يقيم كبير وزن الى الايقاع والتصويت : رنة الاحساس، توقيع الجملة، سجع المشاعر، وسواها من المصطلحات التي رافقت ظهور قصيدة النثر. ان مشكلة قصيدة النثر هي شرعة الشيوع فيها، استباحتها، فيما هو الشعر كلام لايلزم صاحبه معرفة قوانينه، وما دامت تلك القوانين في الأصل من المبهمات. هل نعود الى تأثير غياب النقد؟ ربما، وربما ان روح العصر على اختلاف مع روح عصرنا نحن العرب، فنحن نبحث في القصيدة على ما نعرفه من قواعد وجدت في شعر غير شعرنا، دون بيان المتطلبات الجوهرية الجمالية والروحية تبعا للعصور والأفراد، حسبما فُسرت قصيدة النثر في مصدرها الفرنسي. الشعر يبقى حاجة ، ولن تطوى صفحاته، فهو حاضر في كل فن، وهو حاضر في كل هنيهة من حياتنا، ولكن كيف يمسك الشاعر ذلك الحضور وتلك الهنيهات الفالتة، تلك قضية تعود الى اختلاف مبدع عن مبدع، وهذا يشمل الشعر مثل الرواية وكل أجناس الإبداع، فلماذا نحّمل قصيدة النثر تلك الحمولة الثقيلة.
| |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:47 pm | |
| مفهوم قصيدة النثر دراسة للكاتب فرزند عمر
1 بالرغم من كثرة ما كُتِب عن قصيدة النثر, لا بد من الإشارة إلى أن النصوص النقدية التي حاولت تناول هذا المصطلح, لم ترقَ إلى مستوى الانغماس الحقيقي مع طبيعة هذا الجنس الأدبي و هويته, فجاءت النصوص النقدية إما بشكل يأخذ طابع الحماس لهذه التجربة, أو طابع العداء له, من هنا و بسبب هذه الإشكاليات, وجدنا نفسنا مضطرين لبعض التوضيح, لأن مفهوم قصيدة النثر بوحدتيها (مصطلح / معنى) يعتبر من أهم الإشكاليات التي ساقت العديد من الأقلام في صفحات الأدب العربي الحديث. و مع أن هذا النوع الجديد للنسيج الأدبي الذي اقتحم الساحة الشعرية، و فرض هيمنته الفعلية في أواخر السبعينيات و أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم - بحيث أصبح حتى المعارضون الشرسون لهذا النوع الشعري لا يجدون مصطلحاً لغوياً بديلاً عن قصيدة النثر ينعتون به هذا الكائن الجديد الذي فرض حضوره بقوة - لكن الجدال مازال عن الهوية التي تمتلكها هذه القصيدة, فالمصطلح بشكله اللغوي جاء ترجمة ل Poetic Prose. و أجدني مضطراً لعدم الخوض في عملية إثبات لوجود هذا الكائن الأدبي, و الذي لا تخلو مجلة أو كتاب عن الإشارة لهذا الجنس الأدبي الجديد, بنعته كمصطلح متعارف عليه و هو (قصيدة النثر). لكننا سنحاول الدخول في تاريخ هذا الجنس الأدبي و طبيعته و هويته. - لمحة تاريخية: مع أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين, و مع التطور الهائل الذي تعرضت إليه البشرية في العالم, كان لا بد من أن تتفاعل منظومة الثقافة العربية مع تلك التغيرات التاريخية, و كان لا بد من إيجاد صيغ معرفية للدلالة على نتاجات لم تتم صياغتها ضمن هذه المنظومة, كذلك كان لا بد من إيجاد طريقة للمثاقفة مع الآخر في ظل ثورة حقيقية بدأت تقرب المسافات الجغرافية. وفي ظل الحركة الأدبية الموجودة كجزء من هذه المنظومة الثقافية, بدأت هذه الحركة بالانخراط ضمن هذه التغيرات بخطوات تعثرية تارة و جدية تارة أخرى. و بدأ القارئ العربي بالاطلاع على منتجات أدبية بمصطلحات جديدة في الساحة الأدبية العربية (مسرح – قصة – رواية – و آخرها قصيدة النثر) لكن الملفت للنظر أن الأشكال الأخرى للأدب - عدا قصيدة النثر – لم تلقى التشنج من قبل المتلقي العربي كما لاقاه هذا الجنس الأدبي, و الذي اصطلح فيما بعد على تسميته بقصيدة النثر, على الرغم من أن تلك الأجناس كانت من الجدة ما تفوق قصيدة النثر كالمسرح مثلاً. و الأسباب الكامنة لهذا التشنج تعود في رأينا لما يلي: 1 – الإرث التاريخي الثقافي للمنطقة بشكل عام: حيث أن تاريخ الثقافة العربية من الجاهلية و حتى تاريخ الثورة الثقافية السابقة الذكر, كان في أغلبها مستندة على بنية القصيدة الشعرية الموزونة ذو الشطرين بطريقة أو بأخرى, حتى أنه سمي الشعر بديوان العرب و كان الشعر يوازي اللغة كقيمة وظيفية في نقل الحاضر نحو المستقبل. مثلاً نجد أن الجوائز الأدبية و التقريب من الحاكم كان في جلها تُرصَد لكتّاب الشعر, بينما النثر في كل أشكاله أعتبر كنمط أدبي من الدرجة الثانية. و إن الاقتراب من هذه الذاكرة الكبيرة, و محاولة تطعيمها بما هو جديد, لهو أمر في غاية الصعوبة, و إننا نعتبر هذا التشنج مبرراً من الناحية العاطفية الاجتماعية, لكن لا يمكن استهجانه من الناحية الثقافية المعرفية, فالمثاقفة أمر لا بد منه, حتى أننا في هذا العصر نكاد لا نستطيع التعبير عما نريد بدون الرجوع إلى المصطلحات المعرفية التي وردتنا من الغرب 2 – قصيدة النثر كانت كغيرها من الأجناس الأدبية: لقد جاءت قصيدة النثر في لحظة بدت و كأنها ثورة على ثورة, فالجدال عن مفهوم قصيدة التفعيلة كان مازال في بداياته, جاءت قصيدة النثر و كأنها تعلن نفسها البديل لكل ما سبق, من هنا كانت الصدمة أكبر من أن تستوعب. 3 - إقحام الدين من قبل بعض الكتاب: إن بعض المهتمين بهذا المجال قام بإقحام الدين الإسلامي, من خلال المقاربة مع كتاب الله عزّ و جل – القرآن الكريم – على أن البذور الأولى لقصيدة النثر تتجلى في كتاب الله عزّ و جل, و الفهم الخاطئ لهذه المقاربة. بالإضافة لما شاع عن قصيدة النثر من مفاهيم تتضمن الهدم للإرث التاريخي, و الدين الإسلامي باعتباره الحجر الأساس في ذلك الإرث الكبير, تخوف بعض رجالات الدين من أن تطال مساحة الحرية الممنوحة لهذه القصيدة ذلك الإرث. 4 – المعركة التي حاولت إسناد قصيدة النثر لم تكن معركة شعرية إن مدافعي قصيدة النثر في الأغلب كانوا من الأيدلوجيين و المعارك الناشبة كانت في أساسها معارك ايدلولجية بين من يحمل أفكاراً ثورية تريد إقصاء الماضي و استبعاده من الذاكرة العربية و بين أيدلوجيات تحاول الإبقاء على التراث و كانت قصيدة النثر الملعب الذي تتم فيه تلك المعارك. - هوية قصيدة النثر من خلال سرد تاريخي لتطوره 2: ذهب بعض النقاد إلى إحالة قصيدة النثر كصنف غربي خالص, أتى إلينا في مطلع القرن الماضي من خلال بعض الرواد المتأثرين بشعراء الحداثة الغربيين, أمثال ت.أس.اليوت الإنكليزي و رامبو الفرنسي, و اعتبروه دخيلاً على الشعر العربي و يجب استئصاله, كونه يؤدي إلى نسف الذاكرة العربية, و هدم أسسها المعرفية. لكن سنحاول من خلال جولة سريعة تاريخية دراسة بذور قصيدة النثر في التراث العربي. 1 – فن المقامات فن انتشر في القرن الرابع للهجري, و هو عبارة عن مآلفة بين الشعر و النثر, مستنداً على لغة أدبية خاصة, تعتمد على النزوع إلى الأطناب و الإكثار من الجمل المترادفة و التزام السجع للحفاظ على التوازن الصوتي الخاص بالمقامة, و أهم من يمثلون هذا العصر: (بن العميد والصاحب بن عباد وبديع الزمان الهمذاني وأبي عامر بن شهيد وأبي بكر الخوارزمي). و استمر هذا الأسلوب الخاص حتى مطلع القرن الماضي لدى المويلحي، في (ديث عيسى بن هشام) ولدى أحمد شوقي في (واق الذهب). و فن المقامة تنهل من الطرفين النثري و الشعري معاً, فهو فن نثري شعري, و قد أطلق عليه صفة النثر الفني, ففيه من الإيقاع ما يقارب الشعر, لكنه لا يصله من حيث الوزن و القافية و الشطرين الذين أحاطوا بمفهوم القصيدة آن ذاك. 2 – النثر الشعري لدى الصوفيين: كحركة موازية لحركة المقامات الآنفة الذكر ظهرت حركة أكثر عمقاً و أكثر تعقيداً لكنها مهمشة و ضائعة آن ذاك بسبب المناخ السياسي السائد حينها, و هي النثر الشعري للصوفيين و نجدها في طواسين الحلاج، ومواقف النفري، ومخاطباته والإشارات الإلهية للتوحيدي، حيث نشهد ثورة باللغة على اللغة لتأسيس مشهد جديد، يكشف عن تجارب روحية هادرة تنزع للتحرر. 3 – النثر الشعري الرومانسي: ظهرت في مطلع القرن العشرين تجارب تحاول محاولة جادة في أن تغرف من الشعر في أسلوب الكتابة النثرية, و كان أهم من مثل هذه المدرسة (بران خليل جبران وأمين الريحاني والرافعي، وأحيانا كثيرة لدى المنفلوطي والزيات وطه حسين). 4 – الشعر المنثور: و هي مرحلة تعتبر كمرحلة نضج للنثر الشعري الرومانسي و امتداداً له, و هنا نجد أن التجربة تقترب كثيراً من قصيدة النثر، لا في شكله الظاهري فحسب، إنما في نظامه الإيقاعي الداخلي والخارجي وما يفرضه هذا النظام من هيمنة على البناء النحوي الخاص بشعرية النص، و كبداية لذلك نجد (قصيدة المساء 1902 لخليل مطران و مرثيته التي أنشدها في حفلة تأبين الشيخ إبراهيم اليازجي، بعنوان شعر منثور 1906، وما كتبه أمين الريحاني اعتبارا من سنة 1907، ثم ما كتبه جبران). 5 – بدايات مفهوم قصيدة النثر 3: تظهر في جماعة أبوللو في مصر التي أسست مجلة سميت بنفس الاسم في أيلول عام 1932 هذه الجماعة بدأت بتأسيس المفاهيم الأولية لقصيدة النثر, لكن ما كان يعيب عليهم تأثرهم الأعمى بالقصيدة النثرية التي وفدت من الغرب, و التجارب السريالية و الدادئية التي اتخذوا منها نبراساً لتجاربهم. 6 – توطيد مفهوم قصيدة النثر: بدأت التجارب الجادة لبلورة مفهوم قصيدة النثر لدى جماعة شعر في سورية (دونيس - أنسي الحاج..إلخ) حيث أخذت قصيدة النثر تفرض نفسها كجنس أدبي جديد, لها ميزاتها و لغتها الشعرية و اصطلاحاتها اللغوية, معتمدين على تجارب من التراث العربي, وأخص بالذكر الشاعر الكبير أدونيس, حيث نظّر لهذا المفهوم بالإضافة لما كتب. إذاً من خلال هذا السرد التاريخي الموجز, لا نجد قصيدة النثر نشازاً, أو ورماً خبيثاً في جسد الشعر العربي, إنما تطوراً طبيعياً لما كان في الماضي, مع مرور بحالات جمود و سكينة, نتيجة الظروف التاريخية التي تعرضت لها المنطقة بشكل عام, و ليس دخيلاً على الشعر العربي أو غريباً عنه, بل حركة تجديد و تطوير طبيعيتين لأي منتج أدبي, فهو لم يكن كما المسرح مثلاً, إذ أن الثقافة العربية لم تسمع بهذا المصطلح قبل قرن و نصف تقريباً. مفهوم قصيدة النثر: سنقوم بإيجاز شديد للإحاطة و لو بشكل مختصر بتعريف هذا الجنس الأدبي الذي شكل ثورة في اللغة على كل المستويات صياغة و تركيباً, و فتح آفاقاً جديدة أمام الكلمة, و ارتأينا لتوضيح هذا المفهوم بالقيام على شرح لبعض المفاهيم و ذلك لفهم وشرح هذا الجنس الأدبي الخاص, و سنقوم في البداية بشرح لمفهوم الشعر و شرح مفصل لمفهوم الإيقاع لما فيه من غموض, و علاقته بشكل أو بآخر للمعارك التي نشبت بين الشعراء قديمهم و حديثهم. مفهوم الشعر: هذه الكلمة التي ربما إلى الآن - بالرغم من التعريفات الكثيرة التي أحاطت بهذا المفهوم الغامض (لسهل الممتنع) - لم يستطع الكتّاب وضع صورة نهائية لها, و السبب في رأينا عائد إلى كون الشعر أقرب الفنون إلى اللاشعور, فهو: أصدق ترجمة لحظية للاشعور المتدفق في لحظة انفعالية أقرب إلى اللاوعي منها إلى الوعي لكن ليس هو الإحساس أو التجربة أو الانفعال بل هو الصياغة اللغوية النهائية التي تروض الانفعال للمعنى و الغاية الأساسية منها إعطاء دفقة شعورية, مهمتها الأولى إرجاع السكينة للأنا المزدوجة (نا الكاتب و المتلقي) نتيجة تعرض تلك الأنا لحالات قلق متأتية أصلاً نتيجة وضعها أمام العدم, بغرض مصالحة مع الأنا أو إعطائها قدرة على المواجهة. و الفرق الجوهري بين أنا الكاتب و المتلقي, هو أنّ الكاتب يتعرف على بقعة القلق الخاصة به قبل هذه الدفقة الشعورية, بينما لدى المتلقي تأتي بعد استقبال هذه الدفقة. و بهذا يكون الشعر وسيطاً لنقل القلق بين الكاتب و المتلقي باتجاه واحد و هو (تب متلقي), و يتم ذلك من خلال فهم متبادل للشعور بين الكاتب و المتلقي بأدوات لها قدرة على حمل و إيصال هذه الدفقة الشعورية. فالشعر بهذا المعنى هو صورة اللغة الانفعالية هذا الانفعال الذي يقوم على خلخلة اللغة كي يفتح أمامها فضاء دلالياً جديد وإن الأفكار أو الصور الرائجة في الثقافة التي أنتجت النص، تتحول عن حالة البداهة، والانتظام والنسقية النثرية التي تكون عليها في ميدان الفكر والمعرفة العامة، إلى حالة الخلخلة والتشكيك أحيانا، في نظام آخر، هو النظام الشعري و إذا كان المفكر ينزع نحو المعرفة البديهية التي بها يستكشف الحقيقة، فإن الشاعر وهو يؤسس القصيدة فإنه ينزع نحو معرفة تمكنه من تلمس تداعيات الحقيقة، فالأفكار عنده تصبح شكلا من أشكال العمل التخيلي، وهنا لا تضحي البداهة دليلا على قوة الأفكار كما هو شأن المفكر، يل استجلاء الصورة المتخيلة التي تنصهر بالأفكار المتداعية هو الدليل على قوة القصيدة الشعرية فالشعر هو معرفة الظهور بوصفها اكتشافا لمناطق من الكينونة ما تزال مجهولة وذهب بودلير إلى اعتبار "الشعر تجاوزا للواقع العيني، فهو ليس حقيقة كاملة سوى ضمن عالم مغاير وأخروي" (15). ويقول جوزيف جوبير "إن الشاعر يعرف ما يجهله فالشعر تساؤل يريد جواباً بينما الفكر و العلم هي أجوبة على تساؤلات مطروحة و تعتبر اللغة العلمية مغايرة الغائية لأنها تجد تأسيسها خارجها، في حين تعتبر اللغة الشعرية ذاتية الغائية لأنها تجد غايتها داخلها من هنا نجد أن الشعر مرتبط بالذات الفاعلة بالدرجة الأولى (ذات الكاتب و المتلقي), و بالحركة بالدرجة الثانية, فهي عبارة عن حركة ذاتية, و كما يشير أدونيس في أكثر من مناسبة أن الحركة تعني التجاوز أي الرفض و الهدم, و الرفض ليس بمعنى العدم, إنما الرفض المبني على الرؤيا, و الرؤيا هي نوع من الاتحاد بالغيب يخلق صورة جديدة للعالم أو يخلق العالم من جديد. و يقول الناقد الفرنسي جان إيف تادية " الشعر فضاء جديد " و ربما الأسلوب أو القالب الذي يحمل هذا الانفعال الشعوري هو ما تم الاختلاف حوله, لكن مع الثورة التي سبق ذكرها و التي طالت بنيان اللغة, كان لا بد من توسيع مفهوم الشعر إلى مفهوم أشمل و أوسع من مفهوم الأوزان الخليلية, و هذا ما نحن بصدده. - ما هو الإيقاع؟ هناك بعض الحقائق العلمية الطبية أردنا ذكرها كبداية لشرح هذا المفهوم و هي 4: حقيقة علمية طبية و مفادها " التنبيه المتناوب للتشكيلات الشبكية الموجودة تحت السرير البصري في الدماغ, تؤدي إلى زيادة في إفراز المورفينات الداخلية, و بالتالي إعطاء حالة استرخاء للجسد البشري, و الاستمرار في هذا التنبيه يؤدي إلى النوم ". من الحقائق الطبية الأخرى " الاختلاف في الأنماط الشخصية تعود إلى التنوع الإيقاعي الذي يحيط بالشخصية لا إلى المورثات " فأي تنبيه غير منتظم لا يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تغيرات فيزيولوجية نفسية في الشخص المعرض لتلك التنبيهات. " الإيقاع بكل أشكاله (لحواسي و اللاحواسي) - الحواسي و الذي يتم استنباطه من خلال الحواس الخمس و اللاحواسي الذي يتم استنباطه من خلال التفكير – في النهاية تؤدي إلى نفس التأثيرات في الدماغ, من خلال إفراز لمادة تسمى بالسيرتونين, و التي تعتبر الوسيط للتنبيهات التي تتم في البنى الشبكية لما تحت السرير البصري, و هي ما أشرنا به في الحقيقة الأولى " هذه الحقائق الطبية يمكن لمن يريد الاطلاع عليها الرجوع إلى أي مرجع طبي في بحث (وار النوم و فيزيولوجية الدماغ). من خلال تلك الحقائق يمكن تقسيم الإيقاع إلى حواسي و لا حواسي, و تجاوزاً في هذه الدراسة سنقوم بتسمية الأخير بالإيقاع الادراكي الفكري, و ذلك لأنني من خلال بحثي لم أجد أي مرادفة مناسبة تشير إلى هذا النوع اللاحواسي و ذلك للتفريق بينهما. و ندرج فيما يأتي أمثلة واقعية لتأكيد تلك الحقائق. النشوة التي يصل إليها المتصوفون في حلقات الذكر, و التي تأتي بعد حالة إيقاعية تشترك فيها كلا النوعين (لحواسي و الادراكي الفكري), تتطابق مع نشوة مدمني المخدرات, و لمن يريد الاطلاع يستطيع أن يقارن بين الأعراض التي تصيب المتصوف في لحظة التجلي, و الأعراض التي تصيب مدمني المخدرات في لحظات الانتشاء, و إن الإيقاع الصوتي لوحده إن حاولنا فصلها في حلقات الذكر غير كفيلة بإيصال المتصوف إلى تلك الحالة الآنفة الذكر. التنويم المغناطيسي و هو الوصول إلى حالة من الاسترخاء و النوم نتيجة حالة إيقاعية يأخذ الإيقاع البصري فيه الأولوية بجانب الإيقاع الادراكي الفكري. هناك في الطب ما يسمى بالتخدير النفسي, و أثبت العلماء أنه يمكن إجراء العمليات من خلال هذا التخدير, و هو يستند إلى إخضاع المريض لحالات إيقاعية شديدة تؤدي في النهاية من خلال تفعيل حلقة السيرتونين إلى إفراز غزير للمورفينات الداخلية و بالتالي إلى التخدير. تغير التأثيرات الإيقاعية مع تغير الحالة الفكرية للأشخاص, و قد أثبتته التجارب العملية بكل فئاتها, فحالة إيقاعية معينة يمكن لها أن تصل بشخص ما إلى حالة من الاسترخاء, بينما شخص آخر لو تعرض لنفس الحالة الإيقاعية لن يصل إلى تلك الحالة, و هذا دليل على تغير في التأثيرات الإيقاعية بين شخص و آخر. تتغير المفاهيم الإيقاعية الصوتية بتغير البنية الإيقاعية بشكلها الكلي 5 فهي في تأثير و تأثر مستمرين, وفي هذه الفقرة ندخل إلى صلب موضوعنا, فالقوانين التي استنبطها الفراهيدي ذات يوم, و التي أعني بها البحور العروضية, كانت متأثرة بشدة بالحالة الإيقاعية التي تحدثها خطوات الجمال. إذاً الإيقاع متصل مباشرة بالدماغ عبر قنوات ادراكية معينة, مهمتها الأساسية كما أسلفنا السيطرة على الحالات الانفعالية لدى الكائن البشري, و إن هذا الإيقاع و تأثيره على الدماغ مرتبط مباشرة بالحالة الفكرية المعرفية لهذا الكائن أو ذاك. و عندما نعلم أن قشر الدماغ و الذي يقوم بالسيطرة على كل التنبيهات الواردة إلى الدماغ من لجم أو زيادة تفعيل لهذه التنبيهات, و الارتباط المباشر بين القشر الدماغي و عمليات الذاكرة و التعليم, نعلم مدى الارتباط الوثيق بين التعديلات التي تتم لمختلف التنبيهات الواردة إلى الدماغ و ذلك بتغير المخزون الفكري من شخص إلى آخر. إذاً نحن أمام أمرين اثنين متغيرين, التنبيه و مستقبل هذا التنبيه و هما في حالة تأثير و تأثر بالبنية الإيقاعية الجمعية و النتيجة النهائية لتفاعل الاثنين يعطينا حالة شعورية ما بذلك يمكن الإجابة الآن على السؤال المطروح سلفاً و هو ما هو الإيقاع 1 – البنية الإيقاعية تعني انتظاماً معيناً محسوساً أو مدركاً و إن كان الإيقاع الصوتي أحد أهم الأنواع المدركة حواسياً أو فكرياً و ذلك لتجربة الأذن الطويلة في الإدراك الإيقاعي 2 – لهذه البنية مستويان مستوى ظاهر محسوس و مستوى باطن مدرك فكرياً 6 3 – المستوى الباطن أكثر تعقيدياً نظراً لتوضعه المخفي (بالنسبة للمنبه و المستقبل للتنبيه) في لاوعي الطرفين, و بما أنه من الصعوبة إدراكه كذلك من الصعوبة وضع قوانين له. 4 – ترتبط البنية الإيقاعية في مستوييها الباطن و الظاهر بالبنى الكلية المحيطة, و أخص بالذكر البنية اللغوية في مجاليها النظمي و الإيحائي و هي في تأثر و تأثير مستمرين. 5 – للإيقاع وظيفة مهمة و تكمن في تنظيم وظائف الدماغ, و أكبر مثال عليها النوم الذي يعتبر السبيل الوحيد لاستعادة الدماغ نشاطه من جديد, فهو يأتي في شكل إيقاع فكري خالص من خلال التنظيم الدوري للحلم خلال النوم (وار النوم), بحيث أن الشخص عندما ينام يمر بأربع أو خمس أطوار متكررة, يمتد كل طور حوالي الساعتين, في نهاية كل طور يتم استدراك الماضي من خلال عمليات فكرية معقدة و هو ما يسمى بالحلم, و ضمن الطور الواحد هناك تواتر لعمليات إيقاعية فيزيولوجية متشابهة في كل طور. و ربما يتساءل سائل أن الشخص لا يدرك سوى حلم واحد, و هذه أيضاً حقيقة, فلا يمكن تذكر الأحلام الأربع أو الخمسة كلها, و يتم تذكر الحلم الأخير و الذي يتم الاستيقاظ أثناءه. 6 – من خلال الفكرة الخامسة نصل إلى الفكرة السادسة و هي أهمية الإيقاع الادراكي الفكري كوظيفة دماغية, على الرغم من أهمية الإيقاع الصوتي لسهولة إدراكه. الإيقاع الشعري: الفن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقلق فهو المصنع الرئيسي الذي تتم فيه العمليات المعقدة لأي حالة إبداعية. و القلق هي حالة من اللاتوازن النفسي التي تصيب الأنا, ضرورية لاستمرارية هذه الأنا في المسيرة الحياتية, عبر عمليات أشبه بالشحن و التفريغ. فالقلق المتأتي بالدرجة الأولى نتيجة وضع الأنا أمام العدم, هذا القلق المدرك من خلال الشعور بالفراغ و أبعاده المبهمة, لا يجوز أن يستمر, لأن استمراريته تؤدي إلى اضطرابات عميقة في الحالة النفسية و بالتالي إلى ما يسمى بالأمراض النفسية المعروفة. لذلك كان لا بد من إيجاد عمليات تفريغية في سبيل الوصول إلى حالة من التوازن, الذي يمكن له و في أي لحظة أن يختل من جديد, لتبدأ الأنا في البحث عن وسيلة جديدة للإفراغ. و كلما كانت عتبة الاستثارة للأنا منخفضة (عتبة الاستثارة و نعني بها الطاقة أو الموقف الذي بإمكانه إدخال الأنا إلى حالة القلق المخلة بالتوازن المذكورة سابقاً) كلما كانت الذات قريبة من الإبداع في أي لحظة و أخص بالذكر الإبداع الفني. و إن عمليات الإفراغ لهذا القلق المتولد, تتم عبر عدة أقنية وإن كان الإفراغ الجنسي هو الأهم حسب نظرية التحليل النفسي 7 لكن و حسب نفس النظرية و تعديلاتها التي أتت فيما بعد فرويد - أمثال ايرك فروم و يونغ - تؤكد أن طرقاً أخرى تشارك في المسألة الافراغية و نذكر منها: التسامي: و ذلك من خلال التمسك بالفضائل و الأخلاق السامية كما نجدها لدى الرهبان. عن طريق الإبداع: و هو موضوع بحثنا, فالمبدع يحاول تفريغ شحنة القلق من خلال حالة إبداعية تحمل قلقه باتجاه الغير المرتقب و هو المتلقي. هناك عمليات معقدة: لا داعي لشرحها هنا كالنكوص و التفريغ المرضي. نصل في النهاية إلى أن الإبداع حالة صحية تبحث فيها الأنا السليمة عن وسيلة لتفريغ القلق الناشئ و الضروري لاستمرارية الأنا في الحضور ضمن الجماعة. و ندخل بذلك إلى صلب موضوعنا و هو الشعر كحالة إبداعية لها خصوصيتها, تتأتى هذه الخصوصية من كونه أقرب الحالات الإبداعية للاوعي - المبهم المعالم – الممثل لتلك الحالة الشعورية, التي تحمل كمية كبيرة من القلق, أكبر من الكمية التي تحملها الأجناس الأخرى من الأدب, و الذي يحتاج بدوره إلى أدوات مساعدة قادرة على حمل هذا القلق و إخراجه من الذات الشاعرة باتجاه المتلقي المفترض. و يأتي هنا دور الإيقاع كأداة هامة مساعدة لحمل هذا الكم الهائل من القلق المتأتي من تلك الحالة الإبداعية الخاصة. لذلك كله آثرنا أن نقول أن الشعر = إيقاع و هذا أمر لا يختلف عليه اثنان قديمه و حديثه لكن ما هو الإيقاع و الإيقاع الشعري تحديداً. - تعريف الإيقاع الشعري: يمكن تعريفه الآن من خلال كل ما سردناه عن الإيقاع و الشعر و علاقته بالذات الشاعرة و اللاوعي لتلك الذات بالشكل التالي: بما أنه إيقاع إذا فهو حالة من الانتظام للتنبيهات الواقعة بين سكونين سكون البداية و سكون النهاية و بما أنه شعري فهو يحمل صفة معينة و هي الشعرية, و كما نوهنا أن الإيقاع وجد لأداء وظيفة دماغية, إذاً فهو: عبارة عن تنبيهات منتظمة تقع بين سكونين تصل الدماغ (دماغ الشاعر و المتلقي) ليقوم هذا الدماغ على إرجاع السكينة للذات المتفاعلة (ذات الشاعر و المتلقي) بغرض مصالحة مع الأنا أو إعطائها قدرة على المواجهة. هذا الإيقاع الذي هو حركة الكلام في الكتابة حيث يكون على أشده في القصيدة الشعرية سواءً النثرية أم العمودية أو قصيدة التفعيلة بينما يتناهى نحو السكون في الخطاب النثري العلمي و قد شبه بول فاليري الكتابة الشعرية بالرقص مقارنة مع الكتابة النثرية من حيث رصد الحركة في كلتا الحالتين و يكون بهذا المعنى النثر والشعر قمتين شامختين يمكن أن يقاس الفرق بينهما إنهما ليس أكثر أو أقل تباعدا من رقمين مختلفين فهما مثل الرقمين في التماس ولكنهما متغايران نتيجة للفرق عينه الموجود في الكم، والجديد الذي أوحت به الدراسات اللسانية الشعرية هو قياس "درجة الشاعرية" في القطبين معا، حيث "الفرق بين الشعر والنثر كمي أكثر مما هو نوعي"، لهذا افترض النثر العلمي الطرف المقابل للشعر أما بالنسبة لموضوعنا الأساسي الشعر و كيفية تجلي الإيقاع في الأجناس الشعرية المختلفة من قديمه إلى حديثه فنقول: الإيقاع في القصيدة العمودية أو قصيدة الوزن: و يشترك فيه أكثر من نوع من الإيقاع 1 – الإيقاع السمعي: و هو الإيقاع الواصل إلى الدماغ من خلال إدراك الأذن للموسيقى المتأتية من الموسيقى الظاهرية للنظام الصوتي للحروف, و المنتظمة في نظام تعارف عليه بالبحور العروضية, و هي البحور التي تم وضعها من قبل أبو خليل الفراهيدي مع القافية التي يجب الالتزام بها من قبل الشاعر, و التي تضيف إلى البحور إيقاعا صوتياً إضافيا. و كلنا يعلم أن القوانين التي وضعت من قبل الفراهيدي كانت قوانين استنتاجيه للقصائد التي جاءت من قبله, هذه القوانين التي فرضتها البنية الإيقاعية الجمعية المدركة من خلال الطبيعة (تأثرها بخطوات الجمال). و يخطر في بال أحدنا سؤال: على ماذا كان الشعراء يعتمدون قبل الفراهيدي؟ هل كان الفراهيدي هو الحكم فيما بينهم؟ إذاً نستخلص من كل ذلك أن الإيقاعات الصوتية السمعية إذ جاءت كضرورة من ضرورات الشعرية آن ذاك, و تم التركيز على الإيقاع السمعي و ذلك لسهولة الإدراك السمعي للإيقاع - هذا ما أشرنا به سابقاً - إذ أن الإيقاع السمعي لا يحتاج إلى عمليات فكرية كبيرة. 2 – الإيقاع البصري: و نراه من خلال التنضيد الذي يتم للبيت الشعري الواحد في شطرين مع القافية المتكررة آخر كل بيت. 3 – الإيقاع الادراكي الفكري: و التي تأتي من خلال الانكساريات المتعددة و بؤر التوتر التي تحملها القصيدة ومن خلال الصياغة اللغوية و الصور البيانية و الجماليات التي تتمتع بها القصيدة الشعرية. و هنا أطرح بعض الأسئلة التي يمكن أن تفيدنا في أيامنا هذه بعد تطور وسائل التعليم كيف يمكن للأصم استساغة قصيدة شعرية؟
أليس من حقه في أن يرقي نفسه و يخلصها من القلق؟ و ذلك باعتبار ما للشعر من وظيفة كما أسلفنا سابقاً. أيمكن للأوزان الخليلية أن تفيد الأصم!؟ كيف يمكن أن نبرر سقوط كثير من الشعراء الماضين من القاموس الشعري العربي مع أنهم كانوا ملتزمين بالأوزان العروضية؟ كيف يمكن أن نبرر وقوف قصيدة النثر موقف الند للند مع القصيدة العمودية في أيامنا هذه ؟ مع أن هذه الأخيرة لم يمضي عليها أكثر من نصف قرن مقابل تراث يصل إلى العشرين قرناً و. - و إن كان الأمر ليس كذلك لماذا هذه الحرب بينهما؟ ألا يمكن أن تحمل قصيدة النثر شعرية حقيقية نحن غائبين عنها و إلا لما استمرت؟ أهو الغرب فعلاً شماعتنا الجاهزة بأن نعلق عليها كل الأشياء التي نظنها رديئة؟ لماذا لا نحاول البحث و التقصي؟ الإيقاع في قصيدة النثر: على ضوء ما ذكرناه عن مفهوم الإيقاع نصطدم سلفاً بما أوردناه من علاقة الانتظام مع الإيقاع, و علاقة القصيدة النثرية بتحطيم القوانين. ربما هذه النقطة بالتحديد هي أكثر النقاط شائكة في بحثنا, فهي النقطة الرئيسية التي تم الجدال حولها باستمرار بين مدافعي قصيدة الوزن و مدافعي قصيدة النثر, و هي التي أودت بكثير من المتطفلين على حشر نتاجاتهم ضمن هذا الصنف الأدبي الجديد الذي لا قوانين له و لا حساب و لا محاسبة, مما استدعى وقوف الطرف الآخر و نعني مدافعي قصيدة الوزن موقف المتفرج الفرح, لأن ما كانوا يحذرون منه قد حدث, و نسي الاثنين أن الحرية هي عبارة عن فسحة الحركة المتاحة بين الخطأ و الصواب, و مهما بلغت الحرية فهي لا تعترف بالقتل كفعل يجب امتلاكه كي نكون. إذا نحن أمام معضلة كبرى أو متناقضات كبيرة مثل (فوضى / انتظام).. (ية / قوانين)...(هدم / بناء)...(لوزن / موسيقى)...(ة / سكون). و هذه المتناقضات هي أساس القوانين الإيقاعية التي تبنى عليها قصيدة النثر. و هنا أطرح تساؤلات أليست الحرية بحد ذاتها قانوناً؟ لماذا الغضب و التشنج الذي يصيب معتنقي قصيدة النثر كلما جاءت سيرة القوانين ؟ لماذا كلما دق الكوز بالجرة تأتي سيرة الحرية؟ و أنها سبب البلاء, و أنها سوف تصبح وباءً علينا, و أن مجتمعنا لديه قوانينه الأبدية, و أن الهدم لن يصحبه الا الاستغناء عن الماضي... و ما إلى هنالك من كلمات و جمل يتذرعون بها مدافعون قصيدة الوزن. من قال ذلك؟ هل استغنى رواد قصيدة النثر عن الماضي؟ لماذا إذاً عذّب أدونيس نفسه و ضيع وقته لدراسة الماضي و إحيائه من جديد... هل من مجنون واحد حتى أولئك المتطفلين على قصيدة النثر قال مرة أن المتنبي ليس بشاعر؟ هل قُرِأتْ قصيدة للحطيئة أو امرأ القيس أو أبو تمام أو... الخ و تم رفضها؟ لماذا نحاول دائماً أن نبني حروبنا على أساس نفي الآخر؟ الإيقاع الظاهري: و يوازي الإيقاع السمعي و البصري الذي تحدثنا عنه في قصيدة الوزن. ويعتمد على البنية الصوتية للحروف كما في قصيدة الوزن, لكن ليس بترتيبية الفراهيدي و الأوزان العروضية, إنما من خلال مبادئ خاصة, من أهمها على سبيل المثال و ليس الحصر, التكرار المقطعي في ترتيبية صوتية معينة ضمن المقطع الشعري الواحد, أو التكرار اللفظي لبعض الكلمات التي يريد الشاعر إعطاءها الأهمية في الإظهار, و إلى ما هنالك من أساليب اتبعها بعض شعراء الحداثة لإطفاء روح من الغنائية, و التي هي غير ضرورية لبناء قصيدة النثر, فالإيقاع الظاهر لا يأخذ الأهمية هنا كما في شعر الوزن. الإيقاع الداخلي: و هو نفسه الإيقاع الادراكي الفكري الذي تم بحثه في قصيدة الوزن هذا الإيقاع يتبلور في قصيدة النثر عبر عدة مفاهيم نذكر منها: مفهوم وحدة الأضداد: و هو المفهوم العام الذي منه تتفرع باقي المفاهيم, فكما أسلفنا سابقاً من خلال عرضنا لمفهوم الإيقاع و الإيقاع الشعري, أن قصيدة النثر تعتمد على متناقضات كبيرة أمثال فوضى / انتظام – حرية / قانون – حركة / سكون – كسر الوزن / موسيقى. هذه المتناقضات هي أساس القوانين التي تبنى عليها قصيدة النثر, و نسوق هنا تصورنا عن هذا المفهوم. قبل كل شيء لا بد من تنويه عاجل إلى الطبيعة البشرية, و التي منذ أن وجدت و هي في عراك مرير مع سلطة الفضاء الخارجي, و الصيغ التي يبتدعها للتخلص من تلك السلطة, من هنا كانت الحرية, الحلم الكبير الذي مازال الإنسان يبحث لها عن معناً حقيقي, هذه الحرية التي أفردت لها صفحات من التاريخ, عن الحلم الذي راود البشر في التحليق, و التخلص من سلطة الطبيعة المدركة على أنها تلك الجاذبية التي تربطه بالأرض. لذلك نجد الإنسان دائم المحاولة للوصول إلى نقطة تنعدم معها القوى, في هذه النقطة التي تقع بين نقيضين, يشعر معها الإنسان بالنشوة و القلق في نفس اللحظة, لما تحمله هذه النقطة من إحساس بالعدم و إحساس موافق بالأمان الذي يأتي نتيجة التخلص من سلطة الفضاء الخارجي, إنه الضياع اللذيذ. و التي على أساسها كانت تدور أغلب النظريات الفلسفية و الدينية, فمن فرويد و الذي يعتبر الأنا هي نقطة الصراع بين الهو و الأنا الأعلى, هذه الأنا الواقعة بين الوعي و اللاوعي, إلى كل الأفكار الدينية التي تؤكد أن الإنسان هو نتاج لقوتين أساسيتين بين الخير و الشر, فالإنسان هو مساحة الحرية الحقيقية في الطبيعة و الذي في بوتقته تنصهر قوى الطبيعة سالبها مع موجبها. و الإنسان في دأب مستمر لأن يبرز مفاتنه, و الفن أحد أهم الوسائل المتاحة لذلك و قصيدة النثر التي برأينا هي الأرقى حالياً, كأسلوب يحمل نتاجاً فكرياً بشرياً جمعياً من خلال استناده على كل التقنيات الفنية, و من خلال مساحة الحرية التي تمتلكها هذه القصيدة, كان لا بد لها أن تبرز هذا التناقض و توحده ضمن جسد القصيدة. لذلك نجد الصورة الشعرية و الصياغة اللغوية و المعنى في قصيدة النثر مبنية على وحدة المتناقضات, كأن يقول شاعر مثل محمد الماغوط مثلاً " لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء " أو كما يقول أدونيس في مقدمة لملوك الطوائف " وجه يافا طفل / هل الشجر الذابل يزهو؟ / هل تدخل الأرض في صورة عذراء؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق؟ / جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل/ صوت شريد.. / " فالخراب لدى أدونيس يحمل الجمال. مفهوم التركيب و الصياغة: التركيب: و هو أقرب ما يكون إلى العلاقة النحوية, و بالتالي هو أقرب إلى النظام و الثبات أي السكون. بينما الصياغة: تشير إلى تفجير هذا النظام و خلخلة التركيب اللغوي المألوف لإيجاد بنى تعبيرية جديدة و خلق حالة من الحركة داخل السكون, و هنا يكمن قدرة الشعر على خلق لغة خاصة به. مفهوم التوتر و التوتر ضمن النص: التوتر و هو البؤرة الانفعالية التي لا يخضع لها الشاعر و المتلقي بطريقة عادية - و المقصود بكلمة عادية كل ما يتفرع عنها من تداع و حلم و انسيابية - و إنما توقظه و تثيره و تهز كيانه, أو بمعنىً آخر تصدمه بما تحمله من شحنة توترية. وهذا التوتر ينشأ داخل النص من التقاطعات التي تكونت منها بنيته, و من علاقات التضاد المتمثلة بانكسار سياقه اللغوي, و ما يحمله إلينا من اضطراب في مفاهيم الصيغ و علاقاتها, و قيمة التوتر تأتي من كونه يساعد على تعميق دلالات النص, و يعمل على تحريك الشعور عند الشاعر و المتلقي على السواء, و بالتالي على التوصيل الدقيق للحالة الشعورية لدى الكاتب. مفهوم الصورة الشعرية: و هي حركة ذهنية تتم داخل الشعور, لكنها في ذاتها تعد انعكاسا مكثفاً لمختلف جوانب الطبيعة و المجتمع و ظواهرها مع الاحتفاظ بخصوصية التجربة و فرادتها, كما تدل على أشياء غير مرئية موجودة في وجدان الشاعر, ترسخت عبر المسيرة الحياتية, و هنا يتدخل اللاوعي لدى الشاعر في تشكيل الصورة بحذف أو إضافة ما يراه ملائماً لإخراجها صورة شعرية لها خصوصيتها الناجمة عن الحالة الانفعالية للشاعر. و بذلك فالصورة الشعرية: هي عبارة عن عكس للب الظواهر من خلال الفردي الذاتي و خصوصيته فهي تدل على العام من خلال الجزئي من الظاهرة. مفهوم وحدة القصيدة: و هي موجودة بشكل رئيس في قصيدة النثر, حيث أن القصيدة تدور حول فكرة جوهرية أصلية تتفرع عنها مجموعة من الأفكار الجزئية التي لا يمكن فهمها إلا من خلال إضاءة الفكرة الرئيسية و بلورتها. مفهوم التكثيف: يقول النفري " كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا " من هذا المبدأ يكون للتكثيف أهمية قصوى لإحاطة الجزء بالكل, و الذي هو هدف الفن الحقيقي, و التكثيف ليس بمعنى الشطب الذي يؤدي للإبهام, إنما بمعنى الاختزال المبني على رؤية شاملة للفضاء الخارجي, و خلق حالة من التوتر قادرة على حمل القلق الذي تحدثنا عنه. مفهوم الرؤيا: يشير جبران خليل جبران في أحد رسائله إلى ماري هاسكل سنة 1929 إلى أن الطموح الجوهري للإنسان الشرقي هو أن يكون نبياً, و النبوة بهذا المعنى ليست النبوة الدينية, إنما النبوة بمعنى الإدراك العميق لما يدور حوله و استقراء الغيب من خلال رؤية عميقة للمستقبل ترتكز على فهم عميق للواقع. و يعرف ابن خلدون الرؤيا على أنها " مطالعة النفس لمحنة من صور الواقعات مقتبساً بها علم ما تتشوق إليه من الأمور المستقبلية " بهذا المعنى يجب على الشاعر أن يمتلك رؤية واضحة للمستقبل تمكنه من الانخراط مع الواقع و المصالحة معه, و ربما نسوق هنا مثالاً قريباً عن تلك الرؤيا التي يمتلكها الشاعر الحقيقي, عندما تناقلت الأخبار الثقافية مدى تقاطع أحداث 11 سبتمبر مع مضمون قصيدة قبر لنيويورك للشاعر أدونيس, علماً بأن الأخير قد كتب تلك القصيدة قبل الأحداث بعشر سنوات تقريباً. من كل ما سبق نؤكد على أولاً – الشعر = إيقاع: و هذا متفق عليه, كذلك كل أنواع الفنون لكن الشعر له ارتباط حميم به, و ذكرنا الأسباب النفسية لذلك, لكن الإيقاع لا يعني الأوزان الخليلية بل الأوزان الخليلية هي أحد الأساليب المتخذة لبلورة هذا الإيقاع. هذا الإيقاع الذي هو عبارة عن تنبيهات تأتي من العلاقة بين العناصر المكونة لبنية القصيدة, و تأتي في القصيدة الشعرية الموزونة من المصدر الصوتي للكلمة بشكل أساسي, و بشكل ثانوي من الدلالات اللغوية للكلمة. بينما في قصيدة النثر, يعتبر الإيقاع حاصلاً للعلاقات الداخلية للقصيدة, أي هناك ارتباط وثيق بالدلالة المرتبطة أساساً بالصياغة اللغوية, هذه الصياغة التي هي عبارة عن سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة بسلسلة من الحركات الفكرية. و بهذا يكون الإيقاع في قصيدة النثر حركة مرتكزها الأساسي الدلالة اللغوية المصاغة, تسير مع النص و تنهض في نسيج مكوناته لتوليد الدلالة النهائية, بحيث تكون هناك علاقة تأثير و تأثر بين الإيقاع و الدلالة. و بهذا نجد أن الإيقاع له صلة وثيقة بالقصيدة بشكليها الموزون و النثري, و ذلك لتمكين الشعور من السيطرة على الحالة الانفعالية من قبل الكاتب و المتلقي, و ربما هذه النقطة هي أكثر النقاط خلافاً بين مؤيدي قصيدة الوزن و مؤيدي قصيدة النثر. و لا أجد أي مبرر للغضب و المشاحنات عندما تتبدل الأساليب لتأدية نفس المهمة. ثانياً – قصيدة النثر ليست جنساً غريباً: حتى أننا لا نجد أي مبرر لهذا المصطلح, الذي ربما في بعض جوانبه يحمل الاغتراب و الانفصال, لأنه جاء كتكريس للترجمة الحرفية من المصطلح الأجنبي, و برأينا الشخصي يجب التخلي عن هذا المصطلح و الاستبدال بقصيدة شعرية, فقصيدة النثر هو امتداد طبيعي لما كان, فالشعر هو شعر مهما تغيرت الأساليب. ثالثاً – الأوزان الخليلية ليست مقدسة: الأوزان الخليلية وضعها بشر في حقبة ما, و ما يضعه البشر قابل للتطوير و التجديد و الحذف و الشطب و ما إلى ذلك من عمليات بشرية, و إن هذا التقديس للأوزان الخليلية لا نجد له مبرراً. رابعاً – قصيدة النثر ليست بديلاً عن أي جنس أدبي: قصيدة النثر لا تعرض نفسها بديلاً يقوم على رفض الآخر (قصيدة الوزن), بل العكس تماماً مؤيدي هذا النوع الثاني و نعني قصيدة الوزن يحاولون شطب الآخر و نفيه, بينما أهم الأسس التي تقوم عليها قصيدة النثر هي الاعتراف بالآخر. خامساً – كل فن فيه السيئ و الجيد: كما هي قصيدة الوزن لا تصل إلى الكمال, قصيدة النثر كذلك, و كما في قصيدة الوزن متطفلون, في قصيدة النثر نرى ذلك, و ربما أكثر من ذلك لاستسهال الموضوع و عدم فهمهم للأصول الأدبية, و هذا شيء جد طبيعي و الزمن كفيل بالتصفية. سادساً – ضرورة التقصي و التدقيق قبل إطلاق الأحكام الهوجاء: النقطة الأخيرة مع أنها ربما كانت نشازاً عن الموضوع, لكننا رأينا ضرورة ذكرها من مبدأ أن لكل قاعدة شواذها, و الشواذ تؤكد القاعدة, و هي النقطة التي دعتنا للقيام بتحضير هذه الدراسة المتواضعة لتسليط الضوء على مفهوم ربما كان الجدال عليه قبل عقدين من الزمن مبرراً, لكني و بمفاجئة مثيرة للريبة وجدت الموضوع مثاراً إلى يومنا هذا و أرجو أن أوفق فيما أتيت. المراجع: الوعي و الفن - تأليف غيورغي غاتشف - ترجمة د.نوفل نيوف - سلسلة عالم المعرفة العدد 164 - هاريسون مبادئ الطب الباطني أسرار النوم – عالم المعرفة – عدد 163 محاضرات تمهيدية جديدة في التحليل النفسي - تأليف سيجموند فرويد - ترجمة عزت راجح 1990 الثابت و المتحول – أدونيس – الطبعة الخامسة 1986 تقابل الفنون – ايتيان سوريو – ترجمة بدر الدين قاسم الرفاعي – منشورات وزارة الثقافة السورية 1993 دراسة للشاعر شريف رزق بعنوان المفاهيم النظرية للأنواع الشعرية في شعر ما خارج الوزن قصيدة الشعر الحر – قصيدة النثر – النثيرة و المنشورة في العدد الخامس عشر من مجلة نزوى العمانية فلسفة بنية الإيقاع للدكتور علوي الهاشمي العدد 20 من كتابات معاصرة 1994 قضايا الإبداع في قصيدة النثر – يوسف حامد جابر – الطبعة الأولى 1991 عن دار الحصاد بدمشق. | |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:49 pm | |
| مقارنات بين قصيدة الشعر القديم والشعر الحروقصيدة النثر- د.عدنان الظاهر
الكاتب/ أنفاس أولاًـ خصائص الشعر القديم/شعر الوزن والقافية(بحور الفراهيدي). 1ـ تلتزم القصيدة بصرامة مستلزمات الوزن والقافية. 2ـ وتبهضها الديكورات الفخمة من بيان وبديع وجناس وطباق ومجاز واستعارة ولا تخلو من الحكمة والمواعظ وغيرها من أفكار فلسفية . 3ـ قوافيها مضبوطة الحركات إلا ما ندر. فتسكين القوافي أمر غير مستساغ في عمود الشعر العربي, بل وقد يعتبر دليلا على ضعف الشاعر. الشعر إيقاع وحركة تعودتهما الأذن منذ عشرات القرون . 4ـ عدا عن إمكانية تجويز تسكين القوافي (وهو من الحلال البغيض, وهو سكون خارجي), فلا تسكين على الإطلاق في كلمات البيت الشعري الأخرى. لا سكون في داخل البيت. فالداخل يعج ويضج بشتى أنواع الحركات من رفع ونصب وجر. 5ـ يكاد وضوح القصيدة في المعنى والإشارة والاستعارة والمجاز أن يكون كاملا أو شبه كامل. فالأبيات فرادى والقصيدة ككل مفضوحة المقاصد والأغراض لا تستر نفسها إلا في القليل من الحالات (أقصد هنا الشعر الصوفي). 6ـ يمكن اختزال القصيدة بحذف بعض أبياتها التي تكرر معاني قيلت في أبيات أخرى دون أن يؤثر الأمر على مجمل سياق القصيدة معنى وقصدا. 7ـ الحقبة الزمنية/عمر القصيدة، يدعي المؤرخون، أن امرأ القيس كان أول من قال الشعر وأول من قيد القوافي وأبد الأوابد. أي أن هذا الشعر قد ولد قبل الإسلام بقرنين من الزمان...- إذا صح أن الشاعر امرأ القيس عاش في تلكم الحقبة من الزمن - واستمر معمرا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (1945). عمر طويل ولكن التغيرات التي طرأت عليه قليلة وجد بطيئة. مع نهاية هذه الحرب واجهت البشرية عصرا جديدا وعالما جديدا وثورة في العلوم النظرية والتطبيقية وقفزة جبارة غير مسبوقة في عالم الألكترونيات وأجهزة الاتصال وباقي منجزات التكنولوجيا الحديثة. 8ـ القصيدة ملزمة بقيود ثقيلة شديدة وأحكام صارمة لا تقبل نقاشا أو مساومة. لا وجود هنا لحرية التصرف بالشكل. كانت دوما مرآة صادقة لمراحل تاريخية منوعة من بداوة ورعي وزراعة وإقطاع ثم عهد الرأسمالية التي نعرف. 9ـ غارقة بإنجازات الفكر وسيطرة العقل الواعي وطغيان سطوة الرقيبين الداخلي (الشاعر نفسه) والخارجي (الحاكم والدين والمجتمع والتقاليد). 10ـ واقعيتها صارخة ومدوية تخترق الجلد وتنفذ للعصب العميق. لا تخجل من سفورها الكامل. 11ـ كان لها أمراؤها وشعراؤها الكبار المعروفون الذين ظلوا شامخين يطاولون ويتحدون الزمن. 12ـ لها أطوارها ومراحلها المشهورة كمرحلة الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي ثم العباسي والأندلسي و.و.و ... 13ـ تصميم بنائها ثابت الشكل, لأن التفعيلات تتغير بوتائر ثابتة في البيت الواحد, والبيت الواحد هذا يكرر نفسه وينقل إيقاع موسيقى هذه التفعيلات إلى عموم هيكل القصيدة. إيقاع ثابت، إذن يتكرر دوريا ومحدد التغير (ستاتيك) يحمل مضامين مكررة شبه ثابتة تقادم على أغلبها الزمن. على أن كل طور من أطوارها يتميز ببعض المعاني والمضامين والأغراض الخاصة. 14ـ نمو القصيدة الكمي عرضي ـ طولي لكنه ثابت بقوالب التفعيلات. 15ـ ليس هناك فراغات مكانية سواء في البيت الواحد أوفي عموم القصيدة كي يملؤها الشاعر بالنقاط. لا نقاط ولا تنقيط في القصيدة. هذا الأمر أتانا مع قصيدة الشعر الحر. 16ـ تلحن وتغنى بيسر. فهذا الأمر كثير الشيوع. شاع وانتشر منذ اقدم الأزمنة إذ رافق الغناء والطرب ومظاهر البطر والثراء. كما كان ـ وما زال ـ الوسيلة المثلى للتعبير عن الحزن والشجن. فما أكثر شعر المراثي والتعازي وطقوس البكاء. 17ـ يتذكر المرء هذا النوع من الشعر, يحفظه ويردده مع نفسه حسب مزاج الحالة الراهنة, فرحا أو حزنا, حكمة أو سخرية من أحد أو من الزمن... ثانياً ـ خصائص قصيدة الشعر الحر / شعر التفعيلة الواحدة. 1ـ لها إيقاعها الموسيقي الخاص – تفعيلة واحدة سائدة مع بعض القوافي لتخفيف وطأة الإيقاع الواحد ودفع السأم عن أذن سامعها أو قارئها. 2ـ تتميز بالقليل من المحسنات البديعية ومظاهر الأبهة والفخامة وفذلكات الفكر والفلسفة ومواعظ الأئمة والدراويش . 3ـ أواخر الجمل والسطور والمقاطع ساكنة بشكل يكاد أن يكون مطلقا. وتلكم إحدى سمات الشعر الغربي المفروضة عليه بقوانين وطبيعة اللغات الغربية. 4ـ عدا ذلك فلا تسكين إطلاقاً في الباقي من كلمات البيت والمقطع ومجمل القصيدة. 5ـ مرامي الشعر الحر غير تامة الوضوح. والقصيدة ليست منبسطة أمام قارئها كالكف أوالسهل الممتد أمام ناظره. تترك القصيدة أبوابها مواربة بحيث يعتري البعض من جملها أو مقاطعها شيء من الغموض حينا ونصف العتمة حينا آخر. فيها غمزات وإشارات قابلة للتأويل, وتلك مزايا محببة وتستلزمها مقتضيات وأصول الفن الراقي. 6ـ لا يمكن اختزال القصيدة إلا بصعوبة. فحذف بعض أبياتها قد يسيء إلى مجمل معمار بنائها شكلا وفنا, بل وربما يهدم شموخ هذا البناء أو يشوه جمال توازنه الهندسي فيفقد القاريء القدرة على التذوق الجمالي والانسجام مع سحر الإبداع العصي بطبيعته على الفهم والتفسير. 7ـ الحقبة الزمنية/عمر القصيدة (1945 - 1990) - دشنت البشرية بعد الحرب العالمية الثانية عهدا جديدا وعصرا جديدا إذ أنهى استخدام السلاح النووي لأول مرة في تأريخ البشر (في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين) حقبة زمنية كبرى انهارت معها الإمبراطوريات القديمة وحلت محلها الولايات المتحدة الأمريكية التي سيطرت على مسرح الأحداث في العالم بفضل ما توفر لها من إمكانيات أسطورية في مجالات العلوم والمال والتكنولوجيا والأعلام وصناعة السينما في هوليود، فانتشرت ثقافتها وساد الكثير من أنماط حياتها في الكثير من بقاع العالم وخاصة في أوساط الشباب. مع نهاية الحرب العالمية الثانية إذن كانت قد ولدت قصيدة الشعر الحر(قصيدة التفعيلة الواحدة) عاكسة جو الحرية النسبي الذي ساد العالم بعد انهيار الفاشية في ألمانيا. هي إذن مرآة عصر الذرة وغزو الفضاء والقمر والصواريخ عابرة القارات, ثم هي لسوء الحظ الابن الشرعي لحقبة الحرب الباردة التي قيل إنها انتهت حوالي عام 1990 بعد سقوط جدار برلين وانكماش المعسكر الاشتراكي وتحول الكثير من بلدانه إلى معسكر الرأسمالية. إنها إذن حقا لا مجازا قصيدة عصر الحرب الباردة شئنا ذلك أم لم نشأ!! هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسات مستفيضة. فقصيدة الشعر الحر كانت مسرحا حيويا لتوتر الصراع بين معسكري الاشتراكية والرأسمالية, وأنقسم الشعراء العرب تبعا لذلك ما بين مناصر لهذا المعسكر أو لذاك. انفصام حضاري وثقافي وعقائدي (أيديولوجي) حاد ضرب العالم العربي من المحيط إلى الخليج. 8ـ خلافا للقصيدة القديمة, فان قصيدة الشعر الحر قد تمتعت بحظ وافر من حرية التصرف بالشكل كاستخدام تفعيلات قريبة صوتا من بعضها أحيانا بدل التقيد الصارم بتفعيلة واحدة بعينها. ثم الحرية في طول وقصر الأبيات والمقاطع, ثم إدخال الكثير من الرموز والأساطير ومصطلحات العصر والمفردات الأجنبية نظرا لسعة ثقافة شعرائها ومعرفة الكثير منهم لغات أجنبية سواء بالدراسة أو بالعيش في أوساط وبلدان غير عربية (أوربا وأمريكا مثلا). كما نشطت حركة ترجمة الأشعار الأخرى إلى اللغة العربية فأفاد منها الشعراء الشباب ليجدوا أنفسهم قريبين جدا من شعراء الأمم الأخرى ولا سيما شعراء النصف الأول من القرن الماضي حيث ترك بعضهم بصمات قوية على شعر هؤلاء الشباب. أخص بالذكر الشاعر الأسباني لوركا والشاعر الإنجليزي ت.س. اليوت والشاعر الشيلي بابلو نيرودا ثم الشاعر التركي ناظم حكمت فضلا عن شعراء فرنسا الرمزيين والسورياليين؛ رامبو وفاليري واراغون، ثم بودلير. عصر جديد ونوع جديد من الشعراء أفرزا نوعا جديدا من شعر نصف ثوري. أقول نصف ثوري لأن الدائرة ما كانت قد اكتملت بعد, ولم تنتصر الرأسمالية بشكلها الجديد وتفرض العولمة وظاهرة القطب الأوحد إلا بعد عام 1990, إذ دخلت الكرة الأرضية عصرا جديدا هو عصر الإنترنيت. 9ـ أتاح هذا الواقع والمناخ الجديد قدرا أكبر من الحرية لشعر وشعراء قصيدة التفعيلة الواحدة فتحررت جزئيا من سيطرة العقل الواعي ومن رقابة الفكر وضوابط المجتمع وأنظمة الحكم الصارمة. أجل, قد تحررت جزئيا لأن الشاعر نفسه ما كان قد نال تمام حرياته وما كان قد هضم تماما نتاجات عصره 1945 - 1990. والعالم بأجمعه كان يتهيأ بتراكم أحداث بعضها واضح وملموس والآخر غير واضح وغير ملموس لدخول عصر جديد تسود فيه دولة واحدة ونظام واحد هو نظام العولمة والقطب الأوحد أي (الرأسمالية الكونية). كان الشاعر منقسما على نفسه ويعاني من صراع حاد: قدم ما زالت ترتكز على عالم شعر بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي بينا القدم الأخرى ظلت معلقة في الهواء غير واثقة من مكانها ومن وضع هذا المكان. وكانت هذه واحدة من أبرز سمات فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى سقوط جدار برلين. لا أحد كان يدري لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف وأي النظامين سيسود العالم: الاشتراكية أم الرأسمالية؟؟؟ 10ـ جاءت قصيدة الشعر الحر في أغلبها مزيجا مخففا ومقبولا من الواقعية والرمزية. كما رأينا دواوين شعر كاملة مخصصة للمرأة والجنس بل وحتى الجنس المكشوف كشعر الشاعر العراقي حسين مردان والشاعر السوري نزار قباني مثلا. كما لم تبتعد هذه القصيدة عن السياسة وأجوائها الصاخبة أبدا بدعوى الدفاع عن قضايا إنسانية أو أممية مرة أو عن قضايا وطنية وقومية مرة أخرى. كما احتلت قضية فلسطين مركزا متميزا في شعر الغالبية العظمى من شعراء هذه الحقبة, وكان الشاعر الفلسطيني محمود درويش وما زال فارسها المجلي. 11ـ لم تنجب قصيدة الشعر الحر شعراء كبارا من وزن أبي نؤاس وأبي تمام والبحتري والمتنبئ والمعري وغيرهم ممن قد عرفنا ودرسنا في حياتنا. فأولئك عاشوا عصورا تختلف جوهريا عن ظروف عصر قصيدة الشعر الحر. كما كانت متطلبات تلكم العصور مختلفة تماما عن متطلبات وشروط هذه القصيدة. ومع ذلك فقد برزت قلة من شعراء الشعر الحر..قلة قليلة لكنها هيهات أن تبلغ ما بلغ شعراء بحور الخليلي من مجد وعلو شأن..هيهات هيهات!! هذه الظاهرة صحيحة كذلك بالنسبة للغرب إذ لم ينجب في القرن العشرين شعراء عظاما كـدانتي وملتونوشكسبير وغوته وسواهم. 12- لم تتميز قصيدة الشعر الحر بمراحل كتلك التي مر بها شعر القصيدة القديمة (شعر بحور الخليلي). إنها قصيدة مرحلة واحدة هي في الحقيقة جد قصيرة في عمر البشر: خمسة وأربعون عاما فقط(1945 - 1990). 13ـ معمار القصيدة ذو شكل بسيط وثابت خال من الأركان والزوايا والشرفات والطوابق. فالتفعيلة الواحدة (وبعض أخواتها) غير قادرة بطبيعتها على استيعاب مستلزمات التعقيد, بل ولا تحتملها أبدا. فلكل ظاهرة في الحياة قدرات محدودة على الاستيعاب, يستوي في ذلك عالم المادة في الطبيعة والبشر والحيوان. هذه القدرات المحدودة, رغم ذلك, أفسحت المجال لإدخال مضامين جديدة أكثر تنوعا نابعة من صميم روح العصر الجديد وخاصة نتائج الثورة في مجال العلوم والتكنولوجيا. 14ـ نمو القصيدة الكمي هو الآخر عرضي - طولي لكنه غير ثابت. الشاعر غير مقيد بعدد ثابت محدود من التفعيلات يعاد رصفه مع كل بيت من أبيات القصيدة. جو القصيدة وظروف الشاعر وأحواله النفسية هي التي تحدد طول أو قصر البيت الواحد. قد يشغل البيت سطرا كاملا من الصفحة العادية أو قد يتكون من كلمة واحدة فقط. هنا يمارس الشاعر شكلا آخر من أشكال الحرية ما كان ممكنا أن يمارسه شاعر القصيدة القديمة: حرية التصرف بالمكان أفقيا. وحرية التصرف بالمكان أفقيا تمنح الشاعر ضمنا حرية التصرف بالمكان عموديا. 15ـ حرية التمدد في فضاء القصيدة المكاني أفقيا وعموديا تضع تحت تصرف الشاعر أشكالا أخرى من الحريات على رأسها حرية التصرف بالفراغات. فالفراغ حالة أخرى من حالات المادة يوظفه الشاعر لخلق شتى أنواع المؤثرات التي من شأنها إثراء الجو العام للقصيدة وتلوينها بالأوضاع المتباينة لحالات الشاعر النفسية. 16ـ قصيدة التفعيلة الواحدة لم تعرف الشيوع الذي عرفت القصيدة القديمة في مجال التلحين والطرب. بلى, غنت المطربة المصرية فائزة أحمد وغنى عبد الحليم حافظ بعض قصائد الشعر الحر للشاعر نزار قباني. وربما غنت قلة أخرى من المطربين بعض قصائد الشعر الحر، لكن ظلت السيادة شبه المطلقة لقصيدة الوزن والقافية في عالم الأنس والطرب, والسيادة المطلقة في عالم المراثي والمناحات وأحياء طقوس الكوارث الاجتماعية والدينية. لم يتورط كبار الملحنين والمطربين بتلحين أو غناء قصيدة الشعر الحر, لكنهم لحنوا وغنوا قصائد الوزن والقافية. كما غنى ألحان هذه القصائد سواهم من الفنانين. أذكر بهذا الصدد محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان. ومن العراق محمد القبانجي وعفيفة اسكندر، ثم يوسف عمر. لقد غنت هذه النخبة الممتازة من الملحنين والمغنين والمغنيات(وليس فيهن من لحنت أو جربت التلحين) الكثير من روائع شعر الوزن والقافية. لقد لحن وغنى محمد عبدالوهاب مثلا الكثير من أشعار صديقه ومتبنيه، تقريبا، أحمد شوقي, شاعر بحور الخليلي. كما غنت أسمهان مع عبد الوهاب أوبريت مجنون ليلى شعر أحمد شوقي. 17ـ وربما نتيجة لما قد سلف من الأسباب, لا يحفظ المرء قصيدة الشعر الحر ولا يرددها مع نفسه إلا فيما ندر من الحالات. الناس تحفظ الشعر المغنى إذا ما أعجبها اللحن وأجاد فيه مغنيه. وعليه فمن الجائز أن تنتشر قصيدة الشعر الحربين الناس حفظا بالتذكر والترديد إذا ما أبدع الملحنون وأجاد المغنون في أدائها. لقد حفظت عن ظهر قلب كلمات أغنيتي (رسالة من تحت الماء) و(قارئة الفنجان) بفضل جودة لحني هاتين الأغنيتين وإبداع عبدالحليم حافظ في أدائهما. ثالثاًـ خصائص قصيدة النثر. 1ـ لا وزن فيها ولا قافية. 2ـ لا ديكورات فيها ولا توظف أيا من المحسنات البديعية ولا يخضع نمط التفكير فيها لقوانين الفكر المعروفة وأحكام المنطق السائد. الشاعر يرسم أجواء قصيدته وفق منظوماته الفكرية الخاصة وحسب متطلبات منطقه الخاص الذي يبدو للقارئ وكأنه(لا منطق) أو أنه(ضد المنطق). لكل شاعر عالمه الخاص الذي لا يضاهيه أحد فيه. 3ـ أواخر الجمل والسطور والمقاطع جميعا ساكنة من غير استثناء. 4ـ الكثير من مفردات القصيدة الداخلية قابلة للقراءة من غير حركات. سكون شبه كامل وقصيدة بلا حركات. وبهذا فإنها من بعض الوجوه شبيهة بقصائد الشعر العامي, شعر اللغة المحكية والدارجة الذي يسمى في السعودية(الشعرالنبطي). القصيدة تبدو كعالم هامد مسطح يفتقر إلى جهاز تنفسي, لأن في التنفس يتحرك الصدر إلى الجهات الأربع. حركات الأعراب في لغتنا هي حقا ومجازا عمليات تنفس تتحرك الكلمات معها وفيها فتمنحها نسمة روح الحياة ودفء دماء الجسد الحي الجارية. 5ـ القصيدة غامضة المرامي ومعتمة بشكل مطلق, لذا فإنها عصية على الفهم والتفسير,حتى على شاعرها نفسه..ربما. فهي لم توضع أصلا للتفسير والتأويل والأخذ والرد.على المرء أن يقرأها ويتمتع بما فيها من سحر وقدرة على بعث الدهشة في النفس البشرية ويتقبلها كما يتقبل لوحات بيكاسو. قف أمامها متأملا صامتا خاشعا.قف أمامها ولا تكلف نفسك مشقة السؤال لماذا وكيف. قف أمامها كما في لحظة صلاة. 6ـ لقد بينت في دراساتي عن قصيدة النثر التي نشرت في صحيفة(الزمان/لندن /العددين964 و965 بتأريخ10-11تموز2001 ثم ظهرت في كتابي الجديد(نقد وشعر وقص) الذي صدر في القاهرة عن(مركز الحضارة العربية) بينت وبرهنت أن قصيدة النثر إسفنجية البناء والتركيب والقوام,لذا فإنها قابلة للضغط والاختزال والشطب وتبديل مواضع الكلمات والجمل.إنها ملساء هشة,كالأفعى,أخطر وأضعف ما فيها رأسها.ويستوي في ذلك السام وغير السام من الأفاعي كما يعرف الجميع. 7ـ الحقبة الزمنية/عمر القصيدة:كتب ونشر بعض الشعراء وغير الشعراء قصيدة النثر منذ أزمان بعيدة. كما يجب ألا ننسى ونحن في معرض الكلام عن الزمن أن القرآن الكريم يمثل أعظم وأقدم قصيدة نثر في موروث العرب الديني والثقافي كما هو معروف.مع ذلك فإني أؤرخ العام1990عاما لبداية عصر سيادة قصيدة النثر شبه المطلقة.اجل,كانت قصيدة النثر معروفة قبل هذا العام ولكن أن تكون معروفة شيء,وأن تعتلي خشبة مسرح الشعر مكللة بغار نصر غير مسبوق..شيء آخر.لقد انتصرت القصيدة أخيرا كظاهرة ومرحلة عالمية شعرية وفنية وكتابية. انتصرت على مدرستي الشعر السالفتين: قصيدة عمود الشعر العربي ثم قصيدة الشعر الحر. وإذا كانت قصيدة الشعر الحر امتدادا و(نصف ولد شرعي حلال) للقصيدة القديمة, قصيدة الأوزان والقوافي, تحمل بعض سيمائها وشيئا من دمائها, فان قصيدة النثر لا ترتبط بأيما علاقة مع الأخيرة. إنها بالنسبة لموروثنا الشعري والثقافي مجرد (ولد سفاح) لا يعترف به قاضي الشرع.انتصرت وسادت مع انتشار وانتصار الكومبيوتر والإنترنيت والبريد الألكتروني E - MAIL. لذا فلقد أسميتها قصيدة عصر العولمة والإنترنيت, والقصيدة العابرة للقارات, وقصيدة عصر القطب الأوحد الذي أطلقت عليه في بعض كتاباتي عصر سيادة دولة (إسرائيكا), القطب الذي يسعى محموما بعد سقوط جدار برلين وانكماش المعسكر الاشتراكي عام 1990 إلى السيطرة وتأمين السيادة المطلقة على العالم. سيادة قصيدة النثر وعصرها لا تعني بالضرورة اختفاء مدرستي الشعر اللتين سبقتاها. فلقد ظلت القصيدة القديمة حية وتعايشت مع قصيدة الشعر الحر رغم سيادة الأخيرة عليها. نعم, لقد انحسرت رقعة القصيدة القديمة في بعض المحافل والأقطار العربية وقل عدد قائليها من الشعراء لكنها بقيت على قيد الحياة طيلة عصر سيادة قصيدة الشعر الحر منذ عام 1945 حتى 1990. الظواهر الاجتماعية والثقافية لا تختفي بشكل فجائي. إنها تمتد من أصول جذورها وتربة حقبتها لتجد لها مكانا مناسبا في تربة وظروف العصر الجديد. وعليها كيما تظل حية ومطلوبة أن تتكيف مع ظروف ومتطلبات الواقع الجديد. أي عليها أن تأخذ شيئا من طبائع الشعر الجديد الذي اكتسح ميدانها, أن تتخلق بأخلاق المولود الجديد. والأمر هذا صحيح ولسوف يثبت أنه صحيح بالنسبة لقصيدة الشعر الحر. أي أنها سوف لن تختفي ولسوف تبقى معافاة ومرغوبا فيها لفترات زمنية يصعب تقديرها, سواسية مع شعر بحور الفراهيدي. ثلاث مدارس لقول الشعر لا يستطيع أن يمحو بعضها البعض الآخر أبدا. لكن مدرسة قصيدة النثر ستبز ما عداها وتسيطر على المشهد الشعري العربي سيادة شبه مطلقة. إنها سنة الحركة والتطور في الحياة ولا مرد لها أبدا. 8ـ إذا كانت القصيدة القديمة محكومة بقيود الوزن والقافية والروي ونظام يتكرر دونما تغيير.وإذا كانت قصيدة الشعر الحر قد نفضت بعض هذه القيود فمارس الشعراء قدرا غير مسبوق من الحرية؛ في طول البيت وتسكين أواخر مفرداته والإكثار من استخدام النقاط وأدوات التعجب والاستفهام وإدخال المصطلحات الأجنبية والرموز والأساطير..أقول إذا كان ذلك قد اصبح أمرا واقعا فمن الطبيعي أن تجد قصيدة النثر(حفيد الفراهيدي غير الشرعي)الظرف مهيأ أمامها لتمارس ما مارسته قصيدة الحر وأن تزيد عليها أمورا في غاية الجدة والحداثة.. في ظروف وخصائص عصر العولمة واستنساخ البشر والحيوان والإنترنيت والبورنوPORNO والإيروتيكا وفوضى حريات وتعدد أشكال الجنس وانتشاره في الوسائل المقروءة والمرئية،كشوف خرافية في العالم الأصغر(الخلية الحية)والعالم الأكبر(الفضاء الخارجي). 9- تمرد مطلق على الفكر وعلى منطق قانونية اللغة وعلى السياق الزمكاني لتراتب الفعل والفاعل والمفعول به المعروف منذ نشأة العربية الأولى. حرية مطلقة في شكل القصيدة وفي مضمونها على حد سواء. فأي شكل سيتخذ الشعر بعد عصر قصيدة النثر والى أي منحى سيتجه؟؟ هل ستشهد الأجيال القادمة عصرا يقلب فيه الشعراء الفعل مفعولا والجار مجرورا وأن يجعلوا الفعل الحاضر دالا على الماضي تارة وعلى المستقبل تارة أخرى, والبذور موجودة الآن فلقد قال أحد شعراء عصرنا الراهن (فزورق الأبد مضى غدا وعاد بعد غد)؟؟ وأن يخلطوا الجنسين معا حيث لا فرق بين (هو) و(هي)؟؟ وأن يكون المفرد دالا على الجمع والجمع دالا على المفرد؟؟ وأن تعقد أخوات كان صفقات زواج مع أخوات إن؟؟ وأن تلغى ضوابط التفريق بين حرفي (الضاد) و(الظ)؟؟ لقد أصبح كل شيء جائزا في عصر العولمة والقطب الأوحد, والأتي بعدهما سيكون أشنع وأفظع وعلى الدنيا ألف سلام!!! 10ـ إذا كانت قصيدة عمود الفراهيدي صارخة الواقعية وقصيدة التفعيلة الواحدة مزيجا من الواقعية والرمزية فان قصيدة النثر سوريالية بشكل مطلق. لقد وجدت قصيدة النثر التي راجت مؤخرا بعيدة كل البعد عن منابعها الأولى. وجدتها على خلاف جذري مع أشعار رامبو وبريتون وآراغون وأشعار شعراء عرب معاصرين من أصحاب الريادة في هذا النمط من الشعر. شعراء قصيدة النثر الجدد من الشباب هم فرائد ملونة لا يشبه بعضها بعضا من حيث نوع ما يكتبون, خاصة أولئك الذين يقيمون لسبب أو لآخر خارج أوطانهم, وبشكل أخص من درس وتمكن من إحدى اللغات الأجنبية. ولأن قصيدة النثر سوريالية بشكل مطلق فأن مضامينها غير واضحة وغير محددة الهدف لذا فإنها لا يمكن أن تكون إلا بعيدة عن السياسة والقضايا الوطنية والقومية والأممية. فهذه الأمور تتطلب بطبعها فكرا واضحا وطروحات سياسية -اجتماعية معروفة ومقبولة هي في تناقض حاد مع طبيعة قصيدة النثر الغامضة والتي شطبت قوانين الفكر والمنطق وأقامت بدلا عنها قوانين فكرها ومنطقها الخاص.بلى,قد يتناول بعضهم أمورا غير شخصية لكن يتطلب الأمر بحثا ونبشا وتشريحا واجتهادات خاصة لفهم مراد الشاعر. مغامرة قد لا ترضي الشاعر وربما تسيء لشعوره. 11ـ لقد أنهت قصيدة النثر عصر القمم وكبراء وأمراء الشعر. ونعرف فيهم المتصابي والمصاب بداء العقدة النرجسية وتضخم الكبد وتصلب الشرايين إدمانا على شرب الكحول. فشاعر قصيدة النثر اليوم هو أمير على إمارة شعره الخاص, وكل شاعر مبدع هو سيد إمبراطوريته الخاصة. هم بارونات إقطاع شعري فني لا حصر ولا عد لهم. كل واحد منهم أمير وكبير يحكم مملكة عالمه الشعري بجدارة وتفرد. التعدد هو واحد من أهم وأخطر معطيات الحرية. وظاهرة عبادة الأصنام في عالم الشعر هي الوجه القبيح الآخر لظاهرة عبادة الأوثان في عالم السياسة!! من شأن عصر الإنترنيت والرأسمالية الكونية أن يزيلا الوثنيتين السياسية والشعرية. 12ـ ما دمت قد أقصرت بحثي المقارن هذا على دراسة قصيدة النثر التي عاصرت أحداث فترة ما بعد1990 وأطلقت عليها قصيدة عصر العولمة والقطب الأوحد والإنترنيت والاستنساخ والبورنو، فلا أحد يستطيع التنبؤ بما سيؤول إليه حال قصيدة النثر مستقبلا، ولا كم من الزمن سيطول بها هذا الحال. لا أحد يعرف كم ستعمر بوضعها الراهن ولا أي طابع ستتخذ وأي شكل وبناء. فلنترك هذا الأمر لنقاد المستقبل ممن سيعاصر هذه القصيدة. يكفي القول إنها الآن قصيدة مرحلة واحدة هي في الحقيقة جد قصيرة. وأن شعر ما بعد1990 مختلف جدا عن الشعر المنثور الذي قيل قبل هذا. 13ـ لعل أحد أكبر الفوارق التي تميز قصيدة النثر عما سبقها هو الشكل. فهي بلا شكل,إنها مثل حيوان الأميبا الذي يمكنه التمدد إلى كل الجهات.إنها قصيدة أميبية الشكل.وإذا كان الماء يتخذ شكل الإناء الذي يحتويه فان قصيدة النثر ماء بلا إناء!! 14ـ ولما كانت القصيدة لاتنتظم في قوالب ثابتة من التفعيلات,فان نموها في المكان هو نمو عشوائي منفلت بحيث يمكن وبسهولة أن تختلط الإحداثيات الفضائية الأفقية بالطولية.أي يمكن إبدال كلمة بأخرى أفقيا وعموديا أو سطر بسطر عموديا أو حتى إنزال مقطع كامل ليحل محل مقطع آخر جاء تحته والعكس بالعكس. ماء بلا إناء. 15ـ لما كانت قصيدة النثر بناء أميبي إسفنجي مخلخل الدواخل فان شاعرها لعلى قدرة كبيرة على توظيف النقاط سواء التي تأتي بين مفردات السطر الواحد أو ما بين السطور والمقاطع.ولكل كم ووضع دلالالته الخاصة التي يفهمها الشاعر لاشك أفضل من قرائه.قد يحسن القارئ تفسير هذه الدلالات والمدلولات لكنه قد يكون على خلاف مع كاتبها,فالمعنى يظل في قلب الشاعر.ثم يجب ألا ننسى أن النقاط هي كتل مادية تشغل فراغا معينا في هيكل بناء القصيدة الإسفنجي والأميبي.الإفادة الفنية من هذا الفراغ تتطلب حسا جماليا عاليا وذوقا رفيعا بل وحاسة شم وسمع على درجة كبيرة من الحنكة والدربة الشعرية.والفراغ وكيفية ملئه من أكبر معضلات وهموم الرسامين. 16ـ لم تلحن قصيدة النثر بعد ولم يشد بها أحد حتى اليوم. ربما بسبب تأخر سيادتها على عالم الشعر وحس وذائقة قراءه ونقاده.كل شيء في الحياة طبيعة ومجتمعا يتحرك فيتغير. سيأتي يوم نجد فيه أنفسنا أمام لحن يغنى قصيدة نثر. سوف لن يؤثر فينا أو في اغلبنا بادئ الأمر لكنه وسواه سيأخذ طريقه إلى الذائقة العامة مع الزمن. فالتذوق تعود، وحواس الجسد الإنساني من المرونة بحيث يمكن تدجينها وتطويعها ثم إخضاعها للكلام الغريب المصاغ حديثا بإيقاعات موسيقية جديدة بحيث تتقبلها وتأنس لها ثم تنسجم فتحدث هزة الطرب ونشوة الوجد وتنبعث الذكريات المفرح منها والمبكي.الإنسان ابن، بل، وعبد عاداته وكان المتنبيء قد قال(لكل امرئ من دهره ما تعودا..).ربما لا أكون مصيبا في تنبؤاتي هذه, ذاك لأن كلام قصيدة النثر كما بينت سلفا لا ينسجم ولا يأتلف مع منطق اللغة العربية وسياق تدرج أحكام العقل وقوانين الفكر التي ألفتها أجيالنا والأجيال التي سبقتنا منذ نشوء العربية التي ثبتها القرآن الكريم قبل 15 قرنا. فالمشكلة إذن كامنة في اللغة. لغة قصيدة النثر وهي المعضلة. ومشكلتها مزدوجة: مع قراء القصيدة أولا ومع ملحني الأغاني ثانيا. ثم يأتي الإشكال الآخر: أن قصيدة النثر لا أثر فيها لألفاظ وإيحاءات الحزن واللوعة والحب والفرح ومشتقاتها المألوفة. والغناء لا يكون غناء بدون هذه الأمور كما نعلم. مطلوب من الغناء أن يهز أعصاب وأعماق سامعه, وقصيدة النثر لا يسعها ذلك. إنها في تناقض عميق مع الغناء ومستلزمات الخفة والرقص والطرب أو الحزن ولطم الخدود والصدور وشق الجيوب..فمن يغامر فيلحن أغنية بكلام قصيدة نثر؟؟ من؟؟ 17ـ لكل هذه الأسباب لا يحفظ قراء قصيدة النثر كلامها ولا يرددونه في خلواتهم مع أنفسهم ولا يترنمون به فرحا أو حزنا. لكن سيحفظه الناس وسيرددونه مع أنفسهم أو مع بعضهم فيما إذا جرى تلحين هذه القصائد كأغان وبشرط أن تجد هذه الألحان من يتقبلها ومن يتذوقها فينسجم مع كلامها أو مع إيقاعاتها. وعلينا أن ننتظر ـ وقد يطول الانتظار ـ الزمن الذي تنضج فيه الظروف وتتغير الطبائع بشكل جذري فيصبح تلحين هذا الشعر ممكنا. وعند ذاك سيفرض نفسه واقعا مهيمنا وجبار السطوة. لنتذكر فقط ظاهرة قبول الشعر الحر ملحنا وشيوعه البطيء بين الناس. هذه وجهات نظر قابلة للنقاش والرد. وعليه فإني لا أدعي ولا يمكن أن أدعي أنها منزلة من الأعالي ومعصومة عن الخطأ أو المبالغة أو حتى التطرف في صياغة بعض الأحكام. لقد جعلت المقارنة بين مدارس الشعر الأساسية الثلاث في عالمنا العربي (الشعر العمودي والشعر الحر ثم قصيدة النثر) مقارنة منهجية صممتها وفق نقاط محددة وضعتها نقطة في مقابل أخرى تيسيرا لهذه المقارنات. مجموع هذه النقاط سبعة عشر نقطة قابلة بالطبع للزيادة والنقصان. والذي أرجوه مخلصا أن يساهم الشعراء والنقاد والمثقفون في مناقشة هذه المقارنات وإغنائها بما يعرفون ولا أعرف, وخاصة فيما يتعلق بقصيدة النثر التي طال الجدل فيها وعنها وتشعب ولما ينته بعد. بل وقد يطول كما أحسب.. أخيرا لا أرى ضيرا أن أعترف بأني أشعر إلى حد القناعة أني لم أستطع إيفاء هذا الموضوع الجليل كل ما يستحق من اعتبار وشمولية. وسوف لن أستطيع بمفردي. فعلى جميع من يعنيهم حاضر ومستقبل هذا الموضوع أن يساهموا وأن يشركوا أنفسهم وأقلامهم وهممهم في هذا الأمر .
| |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:50 pm | |
| التركيب الغرائبي في قصيدة النثر - شعراء خسروا أحلامهم في جمهورية جيفارا فركبوا زورق رامبو واليوت – محمد الجزائري
ينتمي الشعر التغريبي ــ الغرائبي، إلي مرجعيات تتعالق بالراهن العربي المهزوز، الذي ألقي السلة في البرية ولم ينل العنب، أو استخار العولمة فلم تسعفه ولا ببيضة واحدة، وان كانت فاسدة لتحط في السلة، ذلك ان تسليم زمان الفرس إلي غير فارسها لن يحقق قصب السبق، فلا رهان علي الخاسرين! والشعراء الذين خسروا أحلامهم في جمهورية جيفارا، خسروا الملاذ الفكري الآمن، حتي في احتدامه، من هنا استداروا عن التثوير وقصيدة الهبة والتحريض والمقاومة، التي وجدت تناغمها مع حماستهم وقناعاتهم في مراحل النضال ضد الاستعمار والتخلف والملل والدكتاتوريات، إلي بحث يائس في الشكل المغلق للذات المنكفئة، والحزن الرومانسي المؤدلج تقنياً.. لذا ركبوا في زورق رامبو وإليوت وعزراباوند وغيرهم، كأنه فلك نوح، وكانوا يعلمون انه مثقوب وملقي علي ضفة التذكر منذ أوائل موت النظريات إلي ظهور (ما بعد) حداثة شاسعة الأفق لا محدود الخيال..، لذا غرقوا. والذين تعلموا لغة أخري (افرنجية) ركضوا أسرع من غيرهم إلي تلك المهاد، فرأوا فيها واحة يستظلون بها من نار الهزائم ورمضائها، فقرأوا تجارب الآخر بجدية وموضوعية، لكن بعضهم سرعان ما غص في نبيذها المعتق، أو تلعثمت لغته العربية فراح يتأتي مثل (الخواجات)، أو يرطن قصائده من معجم مترجم! كان نصيب (قصيدة النثر) من هذا الاغتراف المتعجل، تعويضاً نفسياً عن ركود (الشعر الحر)، وانحسار وهج رواده، فراح (النثريون) يتفهمون أطروحات سوزان بيرنار، من دون الرجوع إلي الجذر الاعتق (الشعر السومري ــ البابلي، أو العباسي ــ الاندلسي)، فصارت نصوصهم كأنها مترجمة (بتصرف) أو بتأثر مباشر، لكن حركة (اللجوء) الشعري إلي ثقافة خارج لم تختر منافيه بدقة، جعلت الحصة الأعظم من الاغتراف مثابة اغتراب وغربة للنص في روحه وتوجعاته وصياغاته اللغوية، وقد راهن هؤلاء عليها براحلة من دون بوصلة أو من دون دليل فطن، فسقطوا في بحر اللاتفعيلة، مثابة طوق تباه علي معرفة بالعوم بعيداً عن الشاطئ الأول، لكنهم خسروا الاصالة، ولم تعد لهم معشوقات سمر من بنات عامر (قوم العذريين)، ولا من بداوة المعلقات، ولم يركضوا مثل ذلك العاشق إلي راهب الدير ليسألوه عن لوعة مشتقة من أرض البرتقال الحزين أو كربلاء زينب أو الرباب، أو من حنين إلي (ولادة) أخري تتوالد مع (ابن زيدون) عربي أندلسي الوجه واليد واللسان.. هؤلاء، ولا بأس علي الشعر، سبقوا (العولمة) السياسية بعولمة الشعر، فمن جانب آخر تعالقوا (وايتمان) ساحراً وعراباً كما (ايلوار وناظم حكمت وأراغون وماياكوفسكي، ولينين) ملهمين بواسل في الحب وقصيدة الحياة، الثورة والجمال والأمل.. وبعد خيبات العرب الستينية والسبعينية صعوداً، وعجزهم عن استعادة مجد الثورة الوطنية والمقاومة الباسلة، صارت الأرض المنهوبة منسية، وازدادت عتمة الأيام في الحروب الخاسرة والمغامرات المسرحية، ومخيمات داود التي نصبت أعمدة (حكمتها) في فضاءات العرب أجمعين بدءاً من غرناطة وانتهاء بكوبنهاغن وشرم الشيخ، وعند وسائد أولياء أمورنا الذين تهافتوا جميعاً، من مغرب جزيرة ليلي الأسيرة، إلي قبة الصخرة المسيجة بحقد (بني صهيون)، في حين أعاد (البناؤون) ــ مجازاً ــ لهيكل سليمان ذاكرة (تحريفية) ليجعلوه تاريخاً وحقائق فانسلخت (الماسونية) من حماية تاج الامبراطورية البريطانية (أم الديمقراطية الحديثة) التي لم تغرب سياستها عن وطننا العربي، تقسيماً بعد آخر حتي طالت آخر رغيف في تنور كرامتنا، ونحن بين مصفق منافق وخائر صامت أو ثائر مكبل مغلول العقل والفعل والانفاس، فكراً وحرية اختياراً وقراراً. الصامدون القلة الذين آمنوا بأوطانهم زادتهم النكبات وهراوات الحجر والقمع أذي ومحاصرة، فأنهكت اراداتهم، فتشبوا بالكلام الجميل وبالشعر الغاضب أو الحزين، وراحوا ينتجون نص الأذي والخذلان والجور والحرمان، في مواجهة الشعراء (الموظفين) (الكبار/ الصغار) الذين ينتظرون آخر الشهر أو أوله لتنزل رواتبهم مع (الاكراميات) عن كل قصيدة وفي كل مناسبة وعيد، في حسابهم الجاري، والشهود علي ذلك كثر، مثل (شهود يهوة)!
شعراء العزاء الأخير
شعراء العزاء الأخير، الذين علقوا أجراسهم في عنق العتمة، علي الرنين يضيء الدرب، وحدهم أبناء برج الحرب، صرخوا عبر حناجر دامية، وأفواه مكممة منذ الثمانينيات، وأطلقوا نصهم الضدي المفتوح، مكتوباً بأقلام الرصاص علي الدفاتر المدرسية، أو كتبوا بأصابع الطباشير وبالفحم علي الحيطان، لانهم امتلكوا شمسهم وصرختهم، وسرعان ما غابوا أو غيبوا، اغتربوا أو تغربوا باكراً، كما تغربت بلدانهم وغيبت قبل أوان الشد، لذا عاشوا مرارة السياسي المخلوع والخدوع، كا ذاقوا مرارة النأي الوجداني والاجتماعي، خرجوا من دون آباء ومن دون ملاذات، إلي أندلسات تتوالد وتتكاثر وتضيع علي مدي دهور الحقائق والمفارقات، فصار كل منهم ينشد: (أضاعوني وأي فتي أضاعوا..). هل نلوم شاعراً يفقد ايمانه بالوجود المعرفي (السياسي والانساني) فيلوذ بوجعه العام ليصير خاصاً، من أن يعمم ذلك في ذلك؟ وكأنه في كتابته لنصه يلقي عن كاهله ثقل مسؤولية زمان الوصل الضائع، فيرتاح؟! (استيقظ.. كي لا أموت) انه نص (مقاومة) ولكنها تشبه مقاومة غاندي في حدها الأدني، استيقاظ، أولاً ثم يقظة، هذا أفضل من لا شيء! نحن بحثنا في كتاب (وعي الضد) في قصيدة جيل الثمانتسعينيات في العراق خلال تلك النار، لكن (الحالة العراقية) لها ما يشابهها عربياً في الهم والخسارات، بخاصة حين تشتت اولئك الفتية في المنافي واشتعلت رؤوسهم شيباً فشاخوا قبل الأوان، وظلوا يغنون ليلي كل علي ربابة أوجاعه! بدفعة واحدة تسلمت مرة ثلاثة كتب ورابع من الشاعر المصري المقيم في الامارات محمد عيد ابراهيم، المترجم والكاتب في آن: (مخلب في فراشة) مجموعة شعرية اختتمها بنص شهادته التي ألقاها في مؤتمر (عتبات) بالمغرب 1998، ثم (الملاك الأحمر) شعر أيضاً، الأول ضمن قصائده المنجزة 1997 ــ 1998 مهداة إلي (يده/ الحيوان اللعوب بروحه المبهمة) ثلاثة عشر قصيدة، تضمنت السابعة تفريعات سبعة نصوص ذات الصفحة الواحدة، فيما كانت القصائد الأخر ذات امتداد تركيبي احتلت مساحة هي مثابة حكايات، منها، بعد (باب) مفتاح الديوان: (زيارة إلي ملكة منسية) و(حكاية المعبود الذي يسافر كثيراً في شريط الاعدام) و(شجرة لا تنام) و(القزم/ المهرج) و(استيقظ كي لا أموت) ثم (الطبيعة، تحتاج أن تفهم) وهي مدونات ضمت، كما أسلفنا سبعاً من النصوص منها: (تنقصك ريشة واحدة) و(أماثيل الغرام) و(واو ــ نقطة) و(غيبات الوداع) و(حمامة تبكي) و(القبر المفتوح) و(الضلع التتري). أما (الملاك الاحمر) فضم سبعاً من القصائد ثامنتها سباعية أيضاً، ثم رباعية، وأربعاً أخر.. محمد عيد شاعر لابد كي تتلمس فنه، من ان تعيد قراءته مثني وأكثر، لانه مسخط، متجهم، ويحيلك في نصه إلي مخلوقات لا تفتح بوابات جنة وجود، بل تخرج بها إلي جحيم الاحوال والأيام، عدا (نجاح سفر) التي أهدي لها (الملاك الأحمر) فهي (مخلوق الربات) الذي فتح الوجود (عليه).. كما جاء في الاهداء (ص7). (ولأنه حريص علي استكمال صورة (مخلوق الربات/ نجاح ــ زوجته) أهدانا كتابها المترجم (زهرة الصيف) عن (كينزبورد أدي ــ هارو أوميزاكي ــ تاميكي هارا ــ خوميكو هاياشي) قصص يابانية عن الحرب وعن مشاعر انسانية بسيطة وتلقائية أثناء المعارك أو بعدها، ولا ينبغي للقارئ أن يتوقع أكثر مما جاز لهؤلاء الكتاب أن يعرفوه عن الحرب، فهو في النهاية سوف يحس بذلك الأسي الشفيف الذي سيغلف روحه بعد القراءة وكأنه قد قام بالصلاة علي أرواح الاعزة الذين فقدناهم في مثل تلك الظروف. هي الحرب، اذاً التي يفرضها الكبار علي جند لا يملكون من مصيرهم سوي تمسكهم بالحياة ولو في شكلها الأدني، كما تقول المترجمة في مقدمة الكتاب. رابع الكتب المهداة في تلك النفحة (الهايكو: رحلة حج بوذية) شعر ياباني من ترجمة شاعرنا محمد عيد ابراهيم. هنا أشير إلي هذه الكتب، لأضفي علي تعاطيات الشاعر ما يعزز مرجعياته القرائية التي تؤثر في تمثلاته وشكل البنية الداخلية لنصه، تقصد ذلك أم لا، فالهايكو كما هو معروف لمتابعي قصيدة النثر تحديداً أو النص المفتوح، مقاطع تتألف من سبع عشرة لفظة (ومن هذه البوصلة المحددة يستطيع شعراء الهايكو اليابانيون التعبير عن أفكارهم ومنطلقاتهم النوعية، غايتهم الخلود، يلمحون مرة إلي الزوال، أو مرة إلي المألوف، اذ تتعامل قصائد الهايكو مع الطبيعة لكن ليست (طبيعة) لكونها تشمل عديد الموضوعات: الدين/ الحب/ الهجاء الاجتماعي/ المرايا الفلسفية/ الاخلاقيات/.. بالاضافة لكون الطبيعة نفسها في شعر الهايكو لا تبتعد عن صلب الموضوع ذاته، حيث هموم الانسان ونشاطاته تشكل جزءاً من الطبيعة، كما هو الحال بالانسان نفسه). هكذا يلخص عيد هذه التجربة في الترجمة والاختيار، هو الذي خصب في التجربة مذ صدرت مجموعاته الشعرية (طور الوحشة/ أصوات 1980) (علي تراب المحنة 1990)، (قبر لينقض 1991) (فحم التماثيل 1997).. الخ وترجمات منها (أشعار سودر جران 1994)، (جاز ــ رواية توني موريسون 1995)، (مرآة الحبر/ مختارات بورخيس 1996)، (قصائد حب/ آن سكستون 1998)، (رباعيات مولانا جلال الدين الرومي 1998)، (فالس الوداع/ رواية ميلان كونديرا 1998)، (كتاب الحواس/ إيتالو كالفينو 1999)، والهايكو المشار إليه سلفاً، إلي جانب نتاجه الجديد شعراً وترجمة (2000 ــ 2001)، فهو مثابر يعتبر الشعري والمعرفي والابداعي، تأليفاً أو ترجمة، استزادة في الغني الجمالي والفكر الاشكالي لنصه الحداثي الذي يبلغ به مرات حدود المابعد حداثي، ويعبر.. لنقف عند كلاسيكية الهايكو التي التقطها منتجو النص المفتوح علي انها (فتح) في معرفة البنية الحداثية في النص، وتثريه! (كل شاعر كبير، سيان كان يابانياً أو غير ذلك، هو فنان بنزعة الهايكو) بحسب ميورا يوزوري، شاعر الهايكو الياباني المعاصر في تقديمه لرحلة حج بوذية. الذي يضم حوالي مائة مقطع من كلاسيكيات شعر الهايكو لكبار هذا الفن الراحلين أمثال باشو/ بوسون/ ايسا/ وغيرهم، حيث يتلازم الهايكو مع الفصول المتغيرة: الربيع/ الصيف/ الخريف/ الشتاء/ رأس السنة.. وما زال هذا الشكل التقليدي شائعاً في اليابان المعاصرة، وقد حاول شعراء الغرب محاكاة الهايكو (ازرا باوند ــ مثلاً)، لكن معظمهم أخفق في أسر بساطته الماكرة أو وميض الحس لدي مجازه المتوتر، يؤكد محمد عيد الذي يأخذنا في شعره الجديد من ذلك الباب الذي فيه ومنه: (عادت إلي الصباح، تصرخ فجأة، ودخان علي قلبها: ألهذا تمطر السماء، حين تري مفاصل الأشجار قفلاً من العدم، وعليها ان تفتحه؟) هل يلخص هذا النص المكتفي بذاته تجربة الشاعر في جديده ذي البند الفلسفي، مهتماً بجوهر المعني، غير آبه بالموسيقي الخارجية، باحثاً في جوانية النص عن موسيقاه وان بدت حزائنية في غالب الانعكاسات، فماذا يترك المخلب في الفراشة؟ هل يؤانسها؟ نصوص محمد عيد ترحل إلي ممالك منسية وملكات، ففي صباحات كتلك و(بطريقة التناسخ) سار علي مدي ريفي، استلهم امرأة غابت عن (عينه) منذ 4327 سنة! دائماً ثمة مفارقة منذ العنوان الكارثي الغرائبي . فلا ضياء في النصوص إلا قليل أمل، وسط خراب النفوس والظروف والحالات.. ودائماً ثمة امرأة، طيفها صارخ فوق أشواق الشاعر، لكنه (ودعه) يهيم علي الطرقات، فهي (ذبيحة)! وغالباً صوتان داخل النص، صوت السارد وصوت (الملكة ــ الذبيحة ــ المنسية) ــ المخاطبة، والمخاطبة في آن! حوار اعتمده سياقاً في بنية نصوصه متعددة الابنية والأصوات أو الدرجات، دائماً من أول الديوان إلي آخره المفتوح، بلغة تحفر عميقاً في الألم، تخرج علي تلقائية الرومانس، وتتجاوز المألوف والسطحي والعادي، إلي باطنية الألم وعمقه، كما إلي باطنية المعني وتجلياته: (انتقم مني، أيها السيف الذي قد بدر، واعقريني ايتها الثيران التي جوعت أياماً حتي عميت، وعذبني في ............... يدي التي تمنت لقاءها يا تمساحها الناعم، فاني أقترب ــ هذا باب الملكة، وهذه قدمي تروح اليه، وانها روحي لفي غمد من الحياة تبتهل وهي تصعد..) مدورة قصائده لا تتوقف، مرويات متصلة بسرد يحفر في عمق المعاناة، انما التقطيع فيه إلي أسطر جاء فقط مثل مساحات لسحب النفس، والتأمل الموسيقي الداخلي الذي يتصاعد مع نشيج الحالة، باحثاً عن (جوهر العدل) في (رقبة المعلمة). دائماً ثمة ثنائية لرجل وامرأة، مضمرة به أو طاغية الحضور، وسط زحمة التفتيش عن (أهلنا) تبقي حواء الحالات خدن أيام آدم الغريب، وانقلابات ما بعد الأسر، تطهو المرأة دموعها علي وهم رجل يعود الآن، لكنه يظل ذاكرة مدونات علي لفائف البردي مخطوطاً أحرقته العثة، أما (هو) فقد (صار له قدحان من خشب وروح مبهمة). كل نص في اشتغالات محمد عيد ابراهيم يمتد ويتأهل بما قبل وما بعد.. لذا يتعب النقد التطبيقي في ملاحقة معني المعني في تأويل القراءة، ويكتفي بلذة النص المغرق بالأسي والخيبة، برغم تلك الاشاعات المضيئة لروح محترقة، هي فجأة الأمل، وليس فجيعة الزوال. بلغة تبدو متعالية علي السائد والمألوف، يكتب محمد عيد ابراهيم نصوصه الشعرية، لذا فان (الكلاسيك) الذي يتماهي مع الارثي التقليدي الجامد لا يرقي بوعيه إلي تفكيك النص وقراءة نسيج خلاياه، ذلك ان النص ــ هنا ــ نقيض القراءة السطحية، وسهولة الكلام، لانه كتابة في الجوهر: (علي الطرقات: لا تأنس بظلي، فاني ذبيحة: قف!) ..... (الذي استطيب معاشرته أعقدوا اليوم عهداً علي به، ال يفارقني مثل روح عليها قرين، إلي أبعد معلوم...) بمناخ شبيه بتلك العشتاريات وأناشيد الانشاد وقصائد انخدوانا، دائماً، الزوال هو نقيض المحبة والعشق والتيه من معالم عصرنا المقلوب، فالعشاق غرباء ومستباحون وبلا أهل.. لذا يبحث البطل عن ملاكه الأحمر وسط الجلجلة، أو بعد ان انغرس المخلب في الفراشة! ولكن أن يتحول (الثدي) إلي مخلب بفراشة! فتلك صورة نابضة بالعداء (فالزفاف إلي من غدر بي) من العنوان إلي تلك (النبضة العمياء) (قادني للشم، ثديك مخلب بفراشة).. صورة محمد عيد ابراهيم، موغلة في سورياليتها السوداء، فـ(حضنه أسود) لأن البشر (أقفال، بخار، صدأ)، شعره بعامة، لا يتلي بل يقرأ علي أناة، وأكثر من تأمل، فجمله المركبة، الغرائبية، لا تتحدث عن السهولة والتلقي المباشر، لأنها أصلاً معقدة، مبهمة، ومعتمة، في أغلبها.. (فالصيف طال علي البلاد) بصوت بقعه الدمع ان جاع. محمد عيد ابراهيم، تفزعه (فرحته)، كأن شعره لم يستشعر الفرح ويحسه أو يلمسه، المرأة حاضرة في شعره، بلا شك.. لكن النصوص تأخذنا إلي تلك الاحتدامات المشوشة، الخانقة والمختنقة من الهواجس: (ربطت علي اصبعك ونزعت في عطش الزئير إلي القدرة الأقرب من الانفجار بسرداب قلبي الذي اسد عليك وكم في الحريق ارتكنت علي جنبي أراك قميص لحمك منقور جنتك تحررت، مثل كلب حجري). هل يتحرر (الكلب الحجري)؟ انه بثقل المأساة تحول إلي سكون أزلي، غير قابل للحركة، فكيف التحرر؟ شعر محمد عيد ابراهيم لنخبة النخبة، لا يتعاطي مع المتلقي، في أيما مساحة سهلة، وهو نمط تركيبي غرائبي للتشكل، ينتمي إلي مضاد عصر يستسهل التلقيات من فضائيات عليها ما عليها من تهمة (ثقافة السندويج) أو الحدث السياسي الاخباري.أو الاكسسوارات الحديثة، إلي (كنتاكي) و(البتزا هت) و(ماكدونالد ــ الهامبركر الامريكي) مما تسميه الاعلانات: (وجبات التوفير اليومية) أو ما يسميه العامة: (الوجبات السريعة)! ............
AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue 1506 --- Date 17/5/2003
جريدة (الزمان) --- العد | |
| | | عمادالدين شهريار النثر
mms : مساهمات : 665 10/02/2011
| موضوع: رد: ما هى قصيدة النثر الإثنين فبراير 28, 2011 4:52 pm | |
| التركيب الغرائبي في قصيدة النثر - شعراء خسروا أحلامهم في جمهورية جيفارا فركبوا زورق رامبو واليوت – محمد الجزائري
ينتمي الشعر التغريبي ــ الغرائبي، إلي مرجعيات تتعالق بالراهن العربي المهزوز، الذي ألقي السلة في البرية ولم ينل العنب، أو استخار العولمة فلم تسعفه ولا ببيضة واحدة، وان كانت فاسدة لتحط في السلة، ذلك ان تسليم زمان الفرس إلي غير فارسها لن يحقق قصب السبق، فلا رهان علي الخاسرين! والشعراء الذين خسروا أحلامهم في جمهورية جيفارا، خسروا الملاذ الفكري الآمن، حتي في احتدامه، من هنا استداروا عن التثوير وقصيدة الهبة والتحريض والمقاومة، التي وجدت تناغمها مع حماستهم وقناعاتهم في مراحل النضال ضد الاستعمار والتخلف والملل والدكتاتوريات، إلي بحث يائس في الشكل المغلق للذات المنكفئة، والحزن الرومانسي المؤدلج تقنياً.. لذا ركبوا في زورق رامبو وإليوت وعزراباوند وغيرهم، كأنه فلك نوح، وكانوا يعلمون انه مثقوب وملقي علي ضفة التذكر منذ أوائل موت النظريات إلي ظهور (ما بعد) حداثة شاسعة الأفق لا محدود الخيال..، لذا غرقوا. والذين تعلموا لغة أخري (افرنجية) ركضوا أسرع من غيرهم إلي تلك المهاد، فرأوا فيها واحة يستظلون بها من نار الهزائم ورمضائها، فقرأوا تجارب الآخر بجدية وموضوعية، لكن بعضهم سرعان ما غص في نبيذها المعتق، أو تلعثمت لغته العربية فراح يتأتي مثل (الخواجات)، أو يرطن قصائده من معجم مترجم! كان نصيب (قصيدة النثر) من هذا الاغتراف المتعجل، تعويضاً نفسياً عن ركود (الشعر الحر)، وانحسار وهج رواده، فراح (النثريون) يتفهمون أطروحات سوزان بيرنار، من دون الرجوع إلي الجذر الاعتق (الشعر السومري ــ البابلي، أو العباسي ــ الاندلسي)، فصارت نصوصهم كأنها مترجمة (بتصرف) أو بتأثر مباشر، لكن حركة (اللجوء) الشعري إلي ثقافة خارج لم تختر منافيه بدقة، جعلت الحصة الأعظم من الاغتراف مثابة اغتراب وغربة للنص في روحه وتوجعاته وصياغاته اللغوية، وقد راهن هؤلاء عليها براحلة من دون بوصلة أو من دون دليل فطن، فسقطوا في بحر اللاتفعيلة، مثابة طوق تباه علي معرفة بالعوم بعيداً عن الشاطئ الأول، لكنهم خسروا الاصالة، ولم تعد لهم معشوقات سمر من بنات عامر (قوم العذريين)، ولا من بداوة المعلقات، ولم يركضوا مثل ذلك العاشق إلي راهب الدير ليسألوه عن لوعة مشتقة من أرض البرتقال الحزين أو كربلاء زينب أو الرباب، أو من حنين إلي (ولادة) أخري تتوالد مع (ابن زيدون) عربي أندلسي الوجه واليد واللسان.. هؤلاء، ولا بأس علي الشعر، سبقوا (العولمة) السياسية بعولمة الشعر، فمن جانب آخر تعالقوا (وايتمان) ساحراً وعراباً كما (ايلوار وناظم حكمت وأراغون وماياكوفسكي، ولينين) ملهمين بواسل في الحب وقصيدة الحياة، الثورة والجمال والأمل.. وبعد خيبات العرب الستينية والسبعينية صعوداً، وعجزهم عن استعادة مجد الثورة الوطنية والمقاومة الباسلة، صارت الأرض المنهوبة منسية، وازدادت عتمة الأيام في الحروب الخاسرة والمغامرات المسرحية، ومخيمات داود التي نصبت أعمدة (حكمتها) في فضاءات العرب أجمعين بدءاً من غرناطة وانتهاء بكوبنهاغن وشرم الشيخ، وعند وسائد أولياء أمورنا الذين تهافتوا جميعاً، من مغرب جزيرة ليلي الأسيرة، إلي قبة الصخرة المسيجة بحقد (بني صهيون)، في حين أعاد (البناؤون) ــ مجازاً ــ لهيكل سليمان ذاكرة (تحريفية) ليجعلوه تاريخاً وحقائق فانسلخت (الماسونية) من حماية تاج الامبراطورية البريطانية (أم الديمقراطية الحديثة) التي لم تغرب سياستها عن وطننا العربي، تقسيماً بعد آخر حتي طالت آخر رغيف في تنور كرامتنا، ونحن بين مصفق منافق وخائر صامت أو ثائر مكبل مغلول العقل والفعل والانفاس، فكراً وحرية اختياراً وقراراً. الصامدون القلة الذين آمنوا بأوطانهم زادتهم النكبات وهراوات الحجر والقمع أذي ومحاصرة، فأنهكت اراداتهم، فتشبوا بالكلام الجميل وبالشعر الغاضب أو الحزين، وراحوا ينتجون نص الأذي والخذلان والجور والحرمان، في مواجهة الشعراء (الموظفين) (الكبار/ الصغار) الذين ينتظرون آخر الشهر أو أوله لتنزل رواتبهم مع (الاكراميات) عن كل قصيدة وفي كل مناسبة وعيد، في حسابهم الجاري، والشهود علي ذلك كثر، مثل (شهود يهوة)! شعراء العزاء الأخير شعراء العزاء الأخير، الذين علقوا أجراسهم في عنق العتمة، علي الرنين يضيء الدرب، وحدهم أبناء برج الحرب، صرخوا عبر حناجر دامية، وأفواه مكممة منذ الثمانينيات، وأطلقوا نصهم الضدي المفتوح، مكتوباً بأقلام الرصاص علي الدفاتر المدرسية، أو كتبوا بأصابع الطباشير وبالفحم علي الحيطان، لانهم امتلكوا شمسهم وصرختهم، وسرعان ما غابوا أو غيبوا، اغتربوا أو تغربوا باكراً، كما تغربت بلدانهم وغيبت قبل أوان الشد، لذا عاشوا مرارة السياسي المخلوع والخدوع، كا ذاقوا مرارة النأي الوجداني والاجتماعي، خرجوا من دون آباء ومن دون ملاذات، إلي أندلسات تتوالد وتتكاثر وتضيع علي مدي دهور الحقائق والمفارقات، فصار كل منهم ينشد: (أضاعوني وأي فتي أضاعوا..). هل نلوم شاعراً يفقد ايمانه بالوجود المعرفي (السياسي والانساني) فيلوذ بوجعه العام ليصير خاصاً، من أن يعمم ذلك في ذلك؟ وكأنه في كتابته لنصه يلقي عن كاهله ثقل مسؤولية زمان الوصل الضائع، فيرتاح؟! (استيقظ.. كي لا أموت) انه نص (مقاومة) ولكنها تشبه مقاومة غاندي في حدها الأدني، استيقاظ، أولاً ثم يقظة، هذا أفضل من لا شيء! نحن بحثنا في كتاب (وعي الضد) في قصيدة جيل الثمانتسعينيات في العراق خلال تلك النار، لكن (الحالة العراقية) لها ما يشابهها عربياً في الهم والخسارات، بخاصة حين تشتت اولئك الفتية في المنافي واشتعلت رؤوسهم شيباً فشاخوا قبل الأوان، وظلوا يغنون ليلي كل علي ربابة أوجاعه! بدفعة واحدة تسلمت مرة ثلاثة كتب ورابع من الشاعر المصري المقيم في الامارات محمد عيد ابراهيم، المترجم والكاتب في آن: (مخلب في فراشة) مجموعة شعرية اختتمها بنص شهادته التي ألقاها في مؤتمر (عتبات) بالمغرب 1998، ثم (الملاك الأحمر) شعر أيضاً، الأول ضمن قصائده المنجزة 1997 ــ 1998 مهداة إلي (يده/ الحيوان اللعوب بروحه المبهمة) ثلاثة عشر قصيدة، تضمنت السابعة تفريعات سبعة نصوص ذات الصفحة الواحدة، فيما كانت القصائد الأخر ذات امتداد تركيبي احتلت مساحة هي مثابة حكايات، منها، بعد (باب) مفتاح الديوان: (زيارة إلي ملكة منسية) و(حكاية المعبود الذي يسافر كثيراً في شريط الاعدام) و(شجرة لا تنام) و(القزم/ المهرج) و(استيقظ كي لا أموت) ثم (الطبيعة، تحتاج أن تفهم) وهي مدونات ضمت، كما أسلفنا سبعاً من النصوص منها: (تنقصك ريشة واحدة) و(أماثيل الغرام) و(واو ــ نقطة) و(غيبات الوداع) و(حمامة تبكي) و(القبر المفتوح) و(الضلع التتري). أما (الملاك الاحمر) فضم سبعاً من القصائد ثامنتها سباعية أيضاً، ثم رباعية، وأربعاً أخر.. محمد عيد شاعر لابد كي تتلمس فنه، من ان تعيد قراءته مثني وأكثر، لانه مسخط، متجهم، ويحيلك في نصه إلي مخلوقات لا تفتح بوابات جنة وجود، بل تخرج بها إلي جحيم الاحوال والأيام، عدا (نجاح سفر) التي أهدي لها (الملاك الأحمر) فهي (مخلوق الربات) الذي فتح الوجود (عليه).. كما جاء في الاهداء (ص7). (ولأنه حريص علي استكمال صورة (مخلوق الربات/ نجاح ــ زوجته) أهدانا كتابها المترجم (زهرة الصيف) عن (كينزبورد أدي ــ هارو أوميزاكي ــ تاميكي هارا ــ خوميكو هاياشي) قصص يابانية عن الحرب وعن مشاعر انسانية بسيطة وتلقائية أثناء المعارك أو بعدها، ولا ينبغي للقارئ أن يتوقع أكثر مما جاز لهؤلاء الكتاب أن يعرفوه عن الحرب، فهو في النهاية سوف يحس بذلك الأسي الشفيف الذي سيغلف روحه بعد القراءة وكأنه قد قام بالصلاة علي أرواح الاعزة الذين فقدناهم في مثل تلك الظروف. هي الحرب، اذاً التي يفرضها الكبار علي جند لا يملكون من مصيرهم سوي تمسكهم بالحياة ولو في شكلها الأدني، كما تقول المترجمة في مقدمة الكتاب. رابع الكتب المهداة في تلك النفحة (الهايكو: رحلة حج بوذية) شعر ياباني من ترجمة شاعرنا محمد عيد ابراهيم. هنا أشير إلي هذه الكتب، لأضفي علي تعاطيات الشاعر ما يعزز مرجعياته القرائية التي تؤثر في تمثلاته وشكل البنية الداخلية لنصه، تقصد ذلك أم لا، فالهايكو كما هو معروف لمتابعي قصيدة النثر تحديداً أو النص المفتوح، مقاطع تتألف من سبع عشرة لفظة (ومن هذه البوصلة المحددة يستطيع شعراء الهايكو اليابانيون التعبير عن أفكارهم ومنطلقاتهم النوعية، غايتهم الخلود، يلمحون مرة إلي الزوال، أو مرة إلي المألوف، اذ تتعامل قصائد الهايكو مع الطبيعة لكن ليست (طبيعة) لكونها تشمل عديد الموضوعات: الدين/ الحب/ الهجاء الاجتماعي/ المرايا الفلسفية/ الاخلاقيات/.. بالاضافة لكون الطبيعة نفسها في شعر الهايكو لا تبتعد عن صلب الموضوع ذاته، حيث هموم الانسان ونشاطاته تشكل جزءاً من الطبيعة، كما هو الحال بالانسان نفسه). هكذا يلخص عيد هذه التجربة في الترجمة والاختيار، هو الذي خصب في التجربة مذ صدرت مجموعاته الشعرية (طور الوحشة/ أصوات 1980) (علي تراب المحنة 1990)، (قبر لينقض 1991) (فحم التماثيل 1997).. الخ وترجمات منها (أشعار سودر جران 1994)، (جاز ــ رواية توني موريسون 1995)، (مرآة الحبر/ مختارات بورخيس 1996)، (قصائد حب/ آن سكستون 1998)، (رباعيات مولانا جلال الدين الرومي 1998)، (فالس الوداع/ رواية ميلان كونديرا 1998)، (كتاب الحواس/ إيتالو كالفينو 1999)، والهايكو المشار إليه سلفاً، إلي جانب نتاجه الجديد شعراً وترجمة (2000 ــ 2001)، فهو مثابر يعتبر الشعري والمعرفي والابداعي، تأليفاً أو ترجمة، استزادة في الغني الجمالي والفكر الاشكالي لنصه الحداثي الذي يبلغ به مرات حدود المابعد حداثي، ويعبر.. لنقف عند كلاسيكية الهايكو التي التقطها منتجو النص المفتوح علي انها (فتح) في معرفة البنية الحداثية في النص، وتثريه! (كل شاعر كبير، سيان كان يابانياً أو غير ذلك، هو فنان بنزعة الهايكو) بحسب ميورا يوزوري، شاعر الهايكو الياباني المعاصر في تقديمه لرحلة حج بوذية. الذي يضم حوالي مائة مقطع من كلاسيكيات شعر الهايكو لكبار هذا الفن الراحلين أمثال باشو/ بوسون/ ايسا/ وغيرهم، حيث يتلازم الهايكو مع الفصول المتغيرة: الربيع/ الصيف/ الخريف/ الشتاء/ رأس السنة.. وما زال هذا الشكل التقليدي شائعاً في اليابان المعاصرة، وقد حاول شعراء الغرب محاكاة الهايكو (ازرا باوند ــ مثلاً)، لكن معظمهم أخفق في أسر بساطته الماكرة أو وميض الحس لدي مجازه المتوتر، يؤكد محمد عيد الذي يأخذنا في شعره الجديد من ذلك الباب الذي فيه ومنه: (عادت إلي الصباح، تصرخ فجأة، ودخان علي قلبها: ألهذا تمطر السماء، حين تري مفاصل الأشجار قفلاً من العدم، وعليها ان تفتحه؟) هل يلخص هذا النص المكتفي بذاته تجربة الشاعر في جديده ذي البند الفلسفي، مهتماً بجوهر المعني، غير آبه بالموسيقي الخارجية، باحثاً في جوانية النص عن موسيقاه وان بدت حزائنية في غالب الانعكاسات، فماذا يترك المخلب في الفراشة؟ هل يؤانسها؟ نصوص محمد عيد ترحل إلي ممالك منسية وملكات، ففي صباحات كتلك و(بطريقة التناسخ) سار علي مدي ريفي، استلهم امرأة غابت عن (عينه) منذ 4327 سنة! دائماً ثمة مفارقة منذ العنوان الكارثي الغرائبي . فلا ضياء في النصوص إلا قليل أمل، وسط خراب النفوس والظروف والحالات.. ودائماً ثمة امرأة، طيفها صارخ فوق أشواق الشاعر، لكنه (ودعه) يهيم علي الطرقات، فهي (ذبيحة)! وغالباً صوتان داخل النص، صوت السارد وصوت (الملكة ــ الذبيحة ــ المنسية) ــ المخاطبة، والمخاطبة في آن! حوار اعتمده سياقاً في بنية نصوصه متعددة الابنية والأصوات أو الدرجات، دائماً من أول الديوان إلي آخره المفتوح، بلغة تحفر عميقاً في الألم، تخرج علي تلقائية الرومانس، وتتجاوز المألوف والسطحي والعادي، إلي باطنية الألم وعمقه، كما إلي باطنية المعني وتجلياته: (انتقم مني، أيها السيف الذي قد بدر، واعقريني ايتها الثيران التي جوعت أياماً حتي عميت، وعذبني في ............... يدي التي تمنت لقاءها يا تمساحها الناعم، فاني أقترب ــ هذا باب الملكة، وهذه قدمي تروح اليه، وانها روحي لفي غمد من الحياة تبتهل وهي تصعد..) مدورة قصائده لا تتوقف، مرويات متصلة بسرد يحفر في عمق المعاناة، انما التقطيع فيه إلي أسطر جاء فقط مثل مساحات لسحب النفس، والتأمل الموسيقي الداخلي الذي يتصاعد مع نشيج الحالة، باحثاً عن (جوهر العدل) في (رقبة المعلمة). دائماً ثمة ثنائية لرجل وامرأة، مضمرة به أو طاغية الحضور، وسط زحمة التفتيش عن (أهلنا) تبقي حواء الحالات خدن أيام آدم الغريب، وانقلابات ما بعد الأسر، تطهو المرأة دموعها علي وهم رجل يعود الآن، لكنه يظل ذاكرة مدونات علي لفائف البردي مخطوطاً أحرقته العثة، أما (هو) فقد (صار له قدحان من خشب وروح مبهمة). كل نص في اشتغالات محمد عيد ابراهيم يمتد ويتأهل بما قبل وما بعد.. لذا يتعب النقد التطبيقي في ملاحقة معني المعني في تأويل القراءة، ويكتفي بلذة النص المغرق بالأسي والخيبة، برغم تلك الاشاعات المضيئة لروح محترقة، هي فجأة الأمل، وليس فجيعة الزوال. بلغة تبدو متعالية علي السائد والمألوف، يكتب محمد عيد ابراهيم نصوصه الشعرية، لذا فان (الكلاسيك) الذي يتماهي مع الارثي التقليدي الجامد لا يرقي بوعيه إلي تفكيك النص وقراءة نسيج خلاياه، ذلك ان النص ــ هنا ــ نقيض القراءة السطحية، وسهولة الكلام، لانه كتابة في الجوهر: (علي الطرقات: لا تأنس بظلي، فاني ذبيحة: قف!) ..... (الذي استطيب معاشرته أعقدوا اليوم عهداً علي به، ال يفارقني مثل روح عليها قرين، إلي أبعد معلوم...) بمناخ شبيه بتلك العشتاريات وأناشيد الانشاد وقصائد انخدوانا، دائماً، الزوال هو نقيض المحبة والعشق والتيه من معالم عصرنا المقلوب، فالعشاق غرباء ومستباحون وبلا أهل.. لذا يبحث البطل عن ملاكه الأحمر وسط الجلجلة، أو بعد ان انغرس المخلب في الفراشة! ولكن أن يتحول (الثدي) إلي مخلب بفراشة! فتلك صورة نابضة بالعداء (فالزفاف إلي من غدر بي) من العنوان إلي تلك (النبضة العمياء) (قادني للشم، ثديك مخلب بفراشة).. صورة محمد عيد ابراهيم، موغلة في سورياليتها السوداء، فـ(حضنه أسود) لأن البشر (أقفال، بخار، صدأ)، شعره بعامة، لا يتلي بل يقرأ علي أناة، وأكثر من تأمل، فجمله المركبة، الغرائبية، لا تتحدث عن السهولة والتلقي المباشر، لأنها أصلاً معقدة، مبهمة، ومعتمة، في أغلبها.. (فالصيف طال علي البلاد) بصوت بقعه الدمع ان جاع. محمد عيد ابراهيم، تفزعه (فرحته)، كأن شعره لم يستشعر الفرح ويحسه أو يلمسه، المرأة حاضرة في شعره، بلا شك.. لكن النصوص تأخذنا إلي تلك الاحتدامات المشوشة، الخانقة والمختنقة من الهواجس: (ربطت علي اصبعك ونزعت في عطش الزئير إلي القدرة الأقرب من الانفجار بسرداب قلبي الذي اسد عليك وكم في الحريق ارتكنت علي جنبي أراك قميص لحمك منقور جنتك تحررت، مثل كلب حجري). هل يتحرر (الكلب الحجري)؟ انه بثقل المأساة تحول إلي سكون أزلي، غير قابل للحركة، فكيف التحرر؟ شعر محمد عيد ابراهيم لنخبة النخبة، لا يتعاطي مع المتلقي، في أيما مساحة سهلة، وهو نمط تركيبي غرائبي للتشكل، ينتمي إلي مضاد عصر يستسهل التلقيات من فضائيات عليها ما عليها من تهمة (ثقافة السندويج) أو الحدث السياسي الاخباري.أو الاكسسوارات الحديثة، إلي (كنتاكي) و(البتزا هت) و(ماكدونالد ــ الهامبركر الامريكي) مما تسميه الاعلانات: (وجبات التوفير اليومية) أو ما يسميه العامة: (الوجبات السريعة)! | |
| | | | ما هى قصيدة النثر | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |